الجمعة، 26 يوليو 2013

عمر الرسول حين بعث وحين تزوج عائشة وحين توفي

تدبر سورة الممتحنة

وهي أول ما نزل في المدينة، وتتحدث عن موضوعين اثنين فقط: موالاة "مسلمة قريش[2]" للمشركين برغم هجرتهم (الآيات:1-9)، ووصول عدد من نساء مكة مهاجرات (الآيات:10-13).

وتبدأ السورة بتكرار تحذير "مسلمة مكة" من الإبقاء على صلة المودة مع مشركي قريش، التي كررتها سور مكية سابقة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ.....

لأن قريش حاربت الإسلام وأخرجت المسلمين والرسول من مكة:.. يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ...}.

فكانت هجرة المسلمين طلباً لمرضاة الله وهرباً من اضطهاد قريش، فكيف يتعاطف بعض المسلمين مع من يحارب الله ودينه، إن كانوا مؤمنين حقاً: ... أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي...{1}.

ولأن "مسلمة قريش" يشعرون في قرارة أنفسهم أن موالاة أعداء الإسلام خيانة، فقد كانوا يوالونهم بالخفاء: ...تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{1}

وكبراء قريش لو تمكنوا من المسلمين لقذفوهم بشتى أنواع الشتائم، ولأعتدوا عليهم جسدياً، ولأعادوهم للكفر إن استطاعوا: إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ{2}.

وحجة "مسلمة قريش" في موالاتهم كفار قريش، أنه تربطهم بهم صلات قربى ونسب. وتناسوا أن الكفر يلغي قرابة النسب، لأن مصير الكافر يوم القيامة سيكون مختلف. فهم ليسوا من المؤمنين وليس المؤمنون منهم، مثلما أن ابن نوح الكافر ليس من أهل نوح ولم يعد ابنا له. وعلاقات القربى تنظيم أسري في الدنيا، لكنها لا تعني أن الابن جزء من والده. فكل إنسان روح منفصلة ومستقلة عن غيرها، ولن يكون هناك صلة قربى بين الناس يوم القيامة، لانتفاء الحاجة لها: لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{3}.

وكان يجب على "مسلمة قريش" إن كانوا مسلمين أن يتأسوا بإبراهيم ومن آمن معه الذين تبرءوا من قومهم وأقاربهم لأنهم استمروا على الكفر وأعلنوا حربهم على دين الله، ومن آمن: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{4} رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{5} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{6}.

إبراهيم لم يكن معه سوى لوط، عندما كان في قريته، لكنه عندما وصل مكة تزوج وأصبح له عائلة، هم الذين معه.

وإبراهيم وإن دعا لوالده بالهداية إلا أنه لما تبين له أنه عدو لله ولدينه تبرأ منه: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ{114} براءة.

وتذكرهم بدعاء إبراهيم ومنه: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{5}

فالكلام هنا لإبراهيم.

وإبراهيم كاد قومه أن يفتنوه بدينه بعد أن كسر أصنامهم لولا أنه هرب من القرية برفقة لوط (كما أخبرتنا سور سابقة)

ولعل هذا الدعاء صدر من إبراهيم في تلك الفترة التي تفصل بين تكسيره لأصنام القوم وهربه من القرية. حيث تشاور القوم فيما يفعلون به: بعضهم قال اقتلوه، وبعضهم قال حرقوه :  فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{24}العنكبوت.

ومحاولة فتنة إبراهيم تتجلى في كلام والده له: قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً{46}مريم.

لإن لم تنته وتعود لملتنا لأرجمنك.

ولو أن كفار قريش ممن لم يحارب دين الله والمؤمنين، وقبلوا التعايش معهم بسلام، ولكل فريق دينه، فلن ينهاهم الله عن مودتهم والتقرب إليهم. لأن المسلم مأمور بالتعامل مع الناس بكل إنسانية إذا قبلوا التعايش معهم بغض النظر عن المعتقد، ولم يحاربوا الإسلام أو يضيقوا على المسلمين: عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{7} لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{9}.

فالنهي الصريح عن موالاة الكفار موجه للمعادين للإسلام المحاربين للمسلمين، المنكرين للبعث، والذين غضب الله عليهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ{13}.

 

الحدث الثاني الذي تحدثت عنه سورة الممتحنة هو: وصول مجموعة من نساء مكة مهاجرات ليثرب

والمسلمون في مكة بدءوا الهجرة ليثرب قبل رسول الله واستمر تقاطر المهاجرين على يثرب حتى بعد هجرة رسول الله. وكان ممن لحق به، مجموعة من النساء، بعضهن أو جميعهن فارقن أزواجهن الكفار في مكة. ويبدوا أن المسلمين ترددوا في قبولهن بينهم، فنزلت الآيات تأمرهم بإخضاعهن لامتحان يكشف إن كن بالفعل مسلمات أو راغبات في الدخول في الإسلام. وهذا الامتحان فرضته الظروف القائمة في تلك الفترة، حيث أن المسلمين للتو وصلوا يثرب وكونوا مجتمعهم المسلم مع إخوانهم ممن أسلم من بني إسرائيل ومن الأوس والخزرج، إلا أن قريش لم تكف عن ملاحقة المسلمين ومحاولة القضاء على الإسلام. لذا كان هناك احتمال أن ترسل قريش بعض النساء ممن يتظاهرن بالإسلام، للتجسس على أحوال المسلمين، مما ولد الحذر والريبة عند المسلمين من قدومهن.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{10}

وبعد الامتحان، فكل امرأة مسلمة بالفعل أو لديها الرغبة الصادقة بالدخول في الإسلام، يجب قبولها في المجتمع المسلم ولا يجوز بأي حال من الأحوال إعادتها للكفار. ذا ينفي نفياً قاطعاً مزاعم كتب التراث التي تقول أن الرسول قد وقع معاهدة الحديبية مع قريش وكان من بن شروطها: أن من جاء المسلمين من قريش مسلماً يردّه المسلمون لقريش، ومن جاء قريشًا من المسلمين مرتداَ لا يلزمون بردّه للمسلمين.

لأن رد المسلم إلى قريش فتنة له في دينه لا يمكن أن يقبل بها الرسول وتخالف ما جاء في سورة الممتحنة التي بين أيدينا.

نعود للسورة التي تقول: إن كان بعض النساء متزوجات بكفار من قريش، فيجب على المسلمين القيام بما يلي:

يفسخ عقد النكاح، لأنها تحرم على زوجها الكافر، ويحرم عليها.

وبناءً على عدل الإسلام، فإذا فسخ النكاح، فيعاد للزوج الكافر ما دفعه للمرأة كصداق. ويتم تأمين المال عن طريق الإنفاق، أو من بيت المال الذي يغذيه الإنفاق. وتصبح المرأة مطلقة ويمكنها الزواج بأي مسلم تختاره.

كما أمر الرجال المسلمون تطليق زوجاتهم القرشيات الكافرات، وإلحاقهن بأهلهن، ولا يجوز للمسلم أن يبقي على زوجه الكافر: " وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ".

وإذا ما سرح المسلم زوجته الكافر، فله الحق بالمطالبة باسترداد ما دفعه لها من صداق، كما للزوج الكافر الحق باسترداد صداقه: " وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{10}". 

وفي حال سرح رجل مسلم زوجته الكافر، ولم تعد له زوجته أو أهلها صداقه، فعلى المسلمين أن يعوضوه بقيمة مماثلة، من بيت المال الذي يغذيه الإنفاق: وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ{11}

والمهاجرات الجدد يلزمهن المبايعة للدخول في الإسلام. والمبايعة لا تعني نطق الشهادتين في جو احتفالي وتكبير وعرض مسرحي، كما يحدث الآن في قنوات عربية وأجنبية وفيما يسمى "توعية الجاليات"، ولكنها تتمثل بقطع العهد على النفس أمام الله أنها لا تشرك بالله شيئاً (كإتباع تشريعات غير تشريعاته سبحانه) ولا تسرق، ولا تزني، ولا تقتل أولادها، ولا تكذب، ولا تعص الرسول في كل معروف: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{12}.

وهذا لا يعني أنه يمكن للمسلمة الجديدة أو المسلم أن لا يتبع بقية أوامر القرآن وينتهي عن نواهيه الأخرى.

وتختم السورة بتكرار تحذير "مسلمة قريش" من موالاة أقاربهم المشركين من قريش: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ{13}.
وإلى لقاء الاثنين القادم بعون الله

[1]    الغابة منطقة مستنقعات تكثر فيها الأشجار البرية تقع إلى الشمال الغربي من يثرب. ويصب فيها العديد من الأودية م ومنها وادي العقيق الذي يقع إلى الغرب من يثرب وخلف حرة وبرة.  

[2]   هم بعض من اسلم من قريش لكنهم أبقوا على علاقات مودة وموالاة لأقاربهم المشركين.  

المفسرون يقولون على الله

السحاق وفعل قوم لوط

تعدد الزوجات