الجمعة، 26 يوليو 2013

عمر الرسول حين بعث وحين تزوج عائشة وحين توفي

تدبر سورة الممتحنة

وهي أول ما نزل في المدينة، وتتحدث عن موضوعين اثنين فقط: موالاة "مسلمة قريش[2]" للمشركين برغم هجرتهم (الآيات:1-9)، ووصول عدد من نساء مكة مهاجرات (الآيات:10-13).

وتبدأ السورة بتكرار تحذير "مسلمة مكة" من الإبقاء على صلة المودة مع مشركي قريش، التي كررتها سور مكية سابقة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ.....

لأن قريش حاربت الإسلام وأخرجت المسلمين والرسول من مكة:.. يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ...}.

فكانت هجرة المسلمين طلباً لمرضاة الله وهرباً من اضطهاد قريش، فكيف يتعاطف بعض المسلمين مع من يحارب الله ودينه، إن كانوا مؤمنين حقاً: ... أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي...{1}.

ولأن "مسلمة قريش" يشعرون في قرارة أنفسهم أن موالاة أعداء الإسلام خيانة، فقد كانوا يوالونهم بالخفاء: ...تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{1}

وكبراء قريش لو تمكنوا من المسلمين لقذفوهم بشتى أنواع الشتائم، ولأعتدوا عليهم جسدياً، ولأعادوهم للكفر إن استطاعوا: إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ{2}.

وحجة "مسلمة قريش" في موالاتهم كفار قريش، أنه تربطهم بهم صلات قربى ونسب. وتناسوا أن الكفر يلغي قرابة النسب، لأن مصير الكافر يوم القيامة سيكون مختلف. فهم ليسوا من المؤمنين وليس المؤمنون منهم، مثلما أن ابن نوح الكافر ليس من أهل نوح ولم يعد ابنا له. وعلاقات القربى تنظيم أسري في الدنيا، لكنها لا تعني أن الابن جزء من والده. فكل إنسان روح منفصلة ومستقلة عن غيرها، ولن يكون هناك صلة قربى بين الناس يوم القيامة، لانتفاء الحاجة لها: لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{3}.

وكان يجب على "مسلمة قريش" إن كانوا مسلمين أن يتأسوا بإبراهيم ومن آمن معه الذين تبرءوا من قومهم وأقاربهم لأنهم استمروا على الكفر وأعلنوا حربهم على دين الله، ومن آمن: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{4} رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{5} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{6}.

إبراهيم لم يكن معه سوى لوط، عندما كان في قريته، لكنه عندما وصل مكة تزوج وأصبح له عائلة، هم الذين معه.

وإبراهيم وإن دعا لوالده بالهداية إلا أنه لما تبين له أنه عدو لله ولدينه تبرأ منه: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ{114} براءة.

وتذكرهم بدعاء إبراهيم ومنه: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{5}

فالكلام هنا لإبراهيم.

وإبراهيم كاد قومه أن يفتنوه بدينه بعد أن كسر أصنامهم لولا أنه هرب من القرية برفقة لوط (كما أخبرتنا سور سابقة)

ولعل هذا الدعاء صدر من إبراهيم في تلك الفترة التي تفصل بين تكسيره لأصنام القوم وهربه من القرية. حيث تشاور القوم فيما يفعلون به: بعضهم قال اقتلوه، وبعضهم قال حرقوه :  فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{24}العنكبوت.

ومحاولة فتنة إبراهيم تتجلى في كلام والده له: قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً{46}مريم.

لإن لم تنته وتعود لملتنا لأرجمنك.

ولو أن كفار قريش ممن لم يحارب دين الله والمؤمنين، وقبلوا التعايش معهم بسلام، ولكل فريق دينه، فلن ينهاهم الله عن مودتهم والتقرب إليهم. لأن المسلم مأمور بالتعامل مع الناس بكل إنسانية إذا قبلوا التعايش معهم بغض النظر عن المعتقد، ولم يحاربوا الإسلام أو يضيقوا على المسلمين: عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{7} لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{9}.

فالنهي الصريح عن موالاة الكفار موجه للمعادين للإسلام المحاربين للمسلمين، المنكرين للبعث، والذين غضب الله عليهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ{13}.

 

الحدث الثاني الذي تحدثت عنه سورة الممتحنة هو: وصول مجموعة من نساء مكة مهاجرات ليثرب

والمسلمون في مكة بدءوا الهجرة ليثرب قبل رسول الله واستمر تقاطر المهاجرين على يثرب حتى بعد هجرة رسول الله. وكان ممن لحق به، مجموعة من النساء، بعضهن أو جميعهن فارقن أزواجهن الكفار في مكة. ويبدوا أن المسلمين ترددوا في قبولهن بينهم، فنزلت الآيات تأمرهم بإخضاعهن لامتحان يكشف إن كن بالفعل مسلمات أو راغبات في الدخول في الإسلام. وهذا الامتحان فرضته الظروف القائمة في تلك الفترة، حيث أن المسلمين للتو وصلوا يثرب وكونوا مجتمعهم المسلم مع إخوانهم ممن أسلم من بني إسرائيل ومن الأوس والخزرج، إلا أن قريش لم تكف عن ملاحقة المسلمين ومحاولة القضاء على الإسلام. لذا كان هناك احتمال أن ترسل قريش بعض النساء ممن يتظاهرن بالإسلام، للتجسس على أحوال المسلمين، مما ولد الحذر والريبة عند المسلمين من قدومهن.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{10}

وبعد الامتحان، فكل امرأة مسلمة بالفعل أو لديها الرغبة الصادقة بالدخول في الإسلام، يجب قبولها في المجتمع المسلم ولا يجوز بأي حال من الأحوال إعادتها للكفار. ذا ينفي نفياً قاطعاً مزاعم كتب التراث التي تقول أن الرسول قد وقع معاهدة الحديبية مع قريش وكان من بن شروطها: أن من جاء المسلمين من قريش مسلماً يردّه المسلمون لقريش، ومن جاء قريشًا من المسلمين مرتداَ لا يلزمون بردّه للمسلمين.

لأن رد المسلم إلى قريش فتنة له في دينه لا يمكن أن يقبل بها الرسول وتخالف ما جاء في سورة الممتحنة التي بين أيدينا.

نعود للسورة التي تقول: إن كان بعض النساء متزوجات بكفار من قريش، فيجب على المسلمين القيام بما يلي:

يفسخ عقد النكاح، لأنها تحرم على زوجها الكافر، ويحرم عليها.

وبناءً على عدل الإسلام، فإذا فسخ النكاح، فيعاد للزوج الكافر ما دفعه للمرأة كصداق. ويتم تأمين المال عن طريق الإنفاق، أو من بيت المال الذي يغذيه الإنفاق. وتصبح المرأة مطلقة ويمكنها الزواج بأي مسلم تختاره.

كما أمر الرجال المسلمون تطليق زوجاتهم القرشيات الكافرات، وإلحاقهن بأهلهن، ولا يجوز للمسلم أن يبقي على زوجه الكافر: " وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ".

وإذا ما سرح المسلم زوجته الكافر، فله الحق بالمطالبة باسترداد ما دفعه لها من صداق، كما للزوج الكافر الحق باسترداد صداقه: " وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{10}". 

وفي حال سرح رجل مسلم زوجته الكافر، ولم تعد له زوجته أو أهلها صداقه، فعلى المسلمين أن يعوضوه بقيمة مماثلة، من بيت المال الذي يغذيه الإنفاق: وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ{11}

والمهاجرات الجدد يلزمهن المبايعة للدخول في الإسلام. والمبايعة لا تعني نطق الشهادتين في جو احتفالي وتكبير وعرض مسرحي، كما يحدث الآن في قنوات عربية وأجنبية وفيما يسمى "توعية الجاليات"، ولكنها تتمثل بقطع العهد على النفس أمام الله أنها لا تشرك بالله شيئاً (كإتباع تشريعات غير تشريعاته سبحانه) ولا تسرق، ولا تزني، ولا تقتل أولادها، ولا تكذب، ولا تعص الرسول في كل معروف: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{12}.

وهذا لا يعني أنه يمكن للمسلمة الجديدة أو المسلم أن لا يتبع بقية أوامر القرآن وينتهي عن نواهيه الأخرى.

وتختم السورة بتكرار تحذير "مسلمة قريش" من موالاة أقاربهم المشركين من قريش: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ{13}.
وإلى لقاء الاثنين القادم بعون الله

[1]    الغابة منطقة مستنقعات تكثر فيها الأشجار البرية تقع إلى الشمال الغربي من يثرب. ويصب فيها العديد من الأودية م ومنها وادي العقيق الذي يقع إلى الغرب من يثرب وخلف حرة وبرة.  

[2]   هم بعض من اسلم من قريش لكنهم أبقوا على علاقات مودة وموالاة لأقاربهم المشركين.  

المفسرون يقولون على الله

السحاق وفعل قوم لوط

تعدد الزوجات

السبت، 13 يوليو 2013

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق // الحلقة التاسعة والأخيرة

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق (8)

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق (7)

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق (6)

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق (5)

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق (4)

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق (الحلقة 3)

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق (الحلقة 2)

عرض كتاب: رسالة في الشورى والإنفاق (الحلقة الأولى)

الاثنين، 8 يوليو 2013

تدبر سورة الجمعة


هي آخر سورة في هذه المرحلة وفي جدولنا اليوم، وتتناول موضوعين (حادثتين):

** مخاطبة من لم يؤمن برسالة محمد من بني إسرائيل وهم الغالبية في يثرب.

** وخروج بعض المسلمين من مسجد رسول الله أثناء تأدية الصلاة.

((1)) مخاطبة بني إسرائيل

(الآيات:1-8): يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{1} هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{4} مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{5} قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{7} قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{8}.

سورة الجمعة أول سورة مدنية تخاطب بني إسرائيل، الذين سمعوا بدعوة محمد منذ سنوات. وسافر البعض منهم لمكة وقابلوه وآمنوا به ونقلوا لغيرهم ما يدعوا له. وقد خاطبتهم سور مكية كثيرة، كما سبق ورأينا. والجمعة تخاطب من أعرض عن الإسلام منهم، وهم الغالبية. معللين ومبررين إعراضهم بأن محمداً ليس من بني إسرائيل، وحتى لو كان رسولاً من الله فهو للأميين. أما هم فأحباء الله من دون الناس جميعاً، الذي خصهم بديانة موسى، ولن يتبعوا رسولاً غيره.

فجاءت بداية السورة لتقول لهم أن الهداية ليست قصراً على قبيلة أو جنس أو شعب دون آخر، وأن الله سبحانه قد شمل برحمته قريش، أو الأميين، كما يسميهم بنو إسرائيل، وأرسل لهم رسولاً منهم ليزكيهم ويهديهم سبيل الرشاد: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{1} هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{4}.

وتواصل السورة مخاطبة بني إسرائيل ومشبهة إياهم بالحمار الذي يحمل الأسفار والكتب على ظهره ولا يستفيد من العلم الذي تحويه، كونهم لم يحملوا أمانة ما ورد في توارة موسى وتركوا العمل بها: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{5}.

وتستمر السورة قائلة، إن كنتم تظنون أنكم أولياء الله وأحباؤه من بين البشر، فلماذا لا تتمنوا الموت لتسارعوا للقاء ربكم: قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{6}.

وتؤكد السورة أنهم يكرهون الموت لأنهم لا يطمئنون لمصيرهم يوم القيامة: وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{7} قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{8}.

وتظهر الآيات أن غالبية أهل الكتاب في يثرب أعلنوا موقفهم الرافض للإسلام منذ الأيام الأولى لهجرة محمد، وكسنة متبعة: فمن يعلن الكفر في البداية لن يؤمن أبداً مهما دعي.

((2)) خروج بعض المسلمين من المسجد أثناء الصلاة

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{9} فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{10} وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{11}.

الآيات تبدأ بفرض قانون (تشريع) يوجب ترك البيع والشراء بعد سماع أذان الصلاة في يوم الجمعة. وسبب هذا التشريع يعود إلى أنه فيما كان الرسول يؤم المصلين في يوم جمعة، من الأيام الأولى للهجرة، ترك بعض المأمومين صلاتهم، وتسابقوا للحاق بقافلة وصلت للتو للحصول منها على ما يحتاجون من متاع. (الآية لم تذكر القافلة حرفياً، لكن السياق يوحي بحضور القافلة وقت الصلاة وهو الذي جعل البعض يتراكضون لاستقبالها): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{9}.

والاحتمال الأكثر أن من خرج من المسجد وترك الصلاة كانوا من مسلمي يثرب، وليس من المهاجرين. ذلك أن المهاجرين صلوا مع رسول الله مدة طويلة وعرفوا أهمية الصلاة، لأن الآيات التي تحث على المواظبة على الصلاة وأدائها بخشوع قد نزلت بينهم في مكة: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2}... وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{9} المؤمنون.

أما مسلمو يثرب فقد دخل بعضهم الإسلام بلقاء واحد مع الرسول، وعاد ليثرب، والبعض الآخر دخلوا الإسلام عن طريق شخص قابل الرسول، لكنهم هم لم يروه أو يجتمعوا به في مكة. وتكون معرفتهم بتفاصيل الدين - ومنها الصلاة - قليلة.

وتسابقهم على القافلة كون من فاته الحصول على ما يحتاج منها، قد يبقى زمناً طويلاً قبل أن تأتي قافلة أخرى، أو يضطر لدفع مقابل مادي أكبر للحصول على ما يريد ممن حصل عليها من القافلة قبله. فجاءت سورة الجمعة لتقول لهم أن ضياع أجر الدنيا لا يقارن بضياع أجر الآخرة، وأن التجارة الرابحة هي ضمان الجنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{9} فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{10} وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ان فَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{11}.

والآيات تشير إلى أن هناك سوق تجارية تقام يوم الجمعة في يثرب، وبالقرب من مسجد الرسول " رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ".

وإلى لقاء قادم بعون الله

صوم أهل الشمال




برغم أن القلب حزين على اغتصاب الحق وسيطرة الاستبداد في مصر إلا أني سأعلق على تساؤل من أخ فاضل

فقد كتب الأخ Houssem Abraxas تعليقاً على الفيسبوك حول مواضيع رمضانيات، يقول:

كنت أتمنّى مزيد الأفاضة في الشرح و أستعارة أمثلة حيّة من الواقع مثل الصوم في القطب الشمالي أو غيره من المناطق الأخرى حيث لا تلازم في تحديد الأشهر. ... انتهى

وتعليقي:
في البداية ليس هناك أناس يعيشون في القطب الشمالي، وحتى الأسكيمو تركوا ...التجوال في الغالب.. ولعل أقرب تجمعات سكانية مشهورة لدائرة القطب هي بلدة جوكموك Jokkmokk السويدية التي تقع على خط عرض *66:'33 أي أنها تقع على خط دائرة القطب الشمالي (*66:'33). وهي بلدة يعيش فيها أفراد قلة من المسلمين عبارة عن عمال من شمال أفريقيا في الغالب. وسيكون وقت الصوم في بداية رمضان هذا العام 23 ساعة والإفطار ساعة واحدة فقط ثم يزيد وقت الإفطار ليصل إلى أكثر من 4 ساعات في آخر الشهر، وعشرين ساعة صوم. وإن وجد بلدة أو بلدات أخرى قرب الدائرة القطبية فينطبق عليها ما ينطبق على جوكموك. ووضعهم استثناء من القاعدة وسنعود للحديث عنه.

وهناك بلدة جونو Juneau عاصمة الأسكا حيث تقع على خط عرض *58:'20 وهو موقع جنوب خط دائرة القطب الشمالي بحوالي 8 درجات.
ويأتي بعد ذلك تجمعات سكانية كبيرة تقع في أقصى الشمال المعمور من الأرض مثل أوسلو عاصمة النرويج والتي تقع على خط *59:'56واستوكهولم عاصمة السويد، وتقع على خط عرض *59:'20 ومالمو السويدية والتي تقع على خط عرض *55:'36
وستتراوح ساعات الصوم في هذه المدن ومدن وبلدات أخرى تقع على نفس خطوط العرض لهذا العام ما بين 20:40 ساعة تقريباً في أول رمضان تنخفض إلى 18:40 ساعة تقريباً في آخره. أي أن ساعات الإفطار ستتراوح بين 3:20 ساعة إلى 5:20 ساعة في آخر الشهر.
وهي مدد صوم طويلة، لكن لو أخذنا في الاعتبار أن الجو لطيف ورطب، فسيكون صوم تلك الساعات الطويلة أهون من صوم عشر ساعات في مكة الجافة والشديدة الحرارة، والتي سيصوم قاطنوها هذا العام من الساعة 4:19 إلى الساعة 7:07 أي 14:48 ساعة صوم في أول الشهر وتقل حوالي عشرين دقيقة في آخره.
والذين دخلوا الإسلام في تلك الأصقاع الشمالية يصومون دون تذمر، ولعل أغلب الأسئلة عن الصيام في تلك المناطق ليس من أهلها ولكن من أناس يعيشون بعيدا خارجها.
الخلاصة: الصوم طويل في البلاد الشمالية لكنه محتمل. والأفراد الذين يعيشون في دائرة القطب والذي لن يزيد وقت الإفطار عن ساعة خلال أربع وعشرين ساعة فهؤلاء استثناء ولهم عدة خيارات، لعل منها:
** وجود عذر لهم بعدم الصيام مثلهم مثل من كان مريضاَ، يكون لهم خيار بين صوم عدة أيام أخر أو فدية إطعام مسكين عن كل يوم افطار. يعني إعاشة مسكين يوم كامل عن كل يوم صيام أفطروه. وهذه ليست فتوى واجتهاد مني ولكن قياس على ما ورد في كتاب الله. وقد أكون مخطئاً، لكن لو كنت أعيش في جوكموك في هذا الرمضان لفعلت ما قلته هنا.

كل من يعيش في مدن شمالية كمالمو واستوكهولم وأوسلو وجونو وغيرها يصوم ولن يكون هناك عناء ولا لغب ولا نصب، لكل من كان راسخ العقيدة. أما من يبحث عن مبررات واعذار فهناك من يعتبر الصوم في البلاد العربية مشقة. وهؤلاء المشكلة في يقينهم وليس في الطقس والحرارة وطول الصوم. وليس لهم جواب هنا لأنهم لن يعجبهم العجب.

بقيت أوقات الصلاة التي لم يسأل عنها الأخ الفاضل

ونقول أن أوقاتها تبقى كما هي، حتى في جوكموك والتي لن يزيد الليل فيها عن ساعة واحدة. حيث سيكون هناك صلاة بعيد غروب الشمس وصلاة بعد ذلك للعشاء، وصلاة للفجر قبيل شروق الشمس وهذه الأوقات الثلاثة ستؤدى خلال ساعة الليل. ثم هناك صلاة بعد شروق الشمس لطرف النهار الأول وصلاة آخر النهار وقبل مغيب الشمس لطرف النهار الثاني. ولن تتأثر مواقيت الصلاة بطول وقصر اليوم إلا لمن كان شمال دائرة القطب وفي أيام قليلة جداً خلال العام حيث ينعدم الليل أو النهار. وهؤلاء سيكونوا من الندرة والاستثناء ولا عبرة لهم. بمعنى أن تقديرهم للصلاة ليس قاعدة بل استثناء.
والسلام.

الجمعة، 5 يوليو 2013

ضوابط هامة لفهم القرآن




لكي نستطيع فهم القرآن فهماً صحيحاً، لابد من الأخذ بالاعتبار عدة ضوابط هامة جداً، هي كما يلي:

نزول السورة كاملة في وقت واحد


القول بأن القرآن كان ينزل آية أو جزء من آية وآيات لا يمكن لنا أن نحسن الظن به، لأنه يسهل تقطيع أوصال الآيات ويلغي السياق، ويفرغ كلام الله من معانيه، ويبعد القارئ عن فهمه كما نزل. ويقضي على تلاحم الآيات وسياقها وربطها بالواقع والمحيط والظروف التي نزلت فيها، الذي نتعرف عليه من معرفة المرحلة التي نزلت فيها السورة.

والقرآن يؤكد أن الوحي ينزل سورة سورة، وإليكم بعض ما جاء في كتاب الله:

·        عندما اتهم المشركون محمداً بأن القرآن من عنده، جاء القرآن ليقول لهم:

·        أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {38}يونس.

·   حتى لو كانت السورة تتكون من ثلاث آيات مثل سورة الكوثر، لكنه لم يقل فأتوا بآية أو آيات، لأن الآية والآيات لا تنزل لوحدها، ولو نزلت آية أو آيات لوحدها فهي سورة.

·   المنافقون في المدينة كانوا يخشون أن يفضحهم الوحي: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ{64}براءة.

·        ولم يقولوا تنزل آية أو آيات.

·        ويقول تعالى في نفس السورة:

·        {وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ{86}براءة.

·   مع أن الأمر بالإيمان والجهاد مع الرسول يحتاج لآية واحدة وليس لكل السور، لكن بحكم أن الآية لا تنزل لوحدها قال تعالى: وإذا نزلت سورة (ومن ضمنها الآية التي تأمر بالإيمان والجهاد).

·   ومثل ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{124}براءة.

·   ولو كان القرآن ينزل آية وآيات، فلا حاجة لأن يكون هناك سورة بطول البقرة (286 آية)، وسورة أخرى بثلاث آيات فقط. ولما احتجنا لنزول 114 سورة، ولكن سورة واحدة مكية وكلما نزلت آيات وضعت - بأمر الرسول - في مكانها من السورة. وبعد الهجرة تنزل سورة مدنية، وكلما نزلت آية توضع في مكانها من السورة. ويكون القرآن عبارة عن سورة مكية تحوي آيات السور المكية الـ 89، وأخرى سورة مدنية تحوي آيات السور المدنية الحالية الـ 25.

·   والقول بأن القرآن ينزل على شكل الآية والآيتين وجزء من الآية، قول لا يمكن لنا أن نحسن الظن به، لأنه يسهل تقطيع أوصال الآيات ويلغي السياق، ويفرغ كلام الله من معانيه، ويبعد القارئ عن فهمه كما نزل، فهو يقضي على تلاحم الآيات وسياقها وربطها بالواقع والمحيط والظروف التي نزلت فيها، الذي نتعرف عليه من معرفة المرحلة التي نزلت فيها السورة.

·   أما نزول الوحي سورة كاملة في وقت واحد فيعني أن السورة عبارة عن رسالة للحديث عن موضوع أو مواضيع أو أحداث وقعت وقت نزولها.

·   ونزول السورة كاملاً يقطع الطريق على من يريد الاستشهاد بجزء من آية أو آية على عقيدة مبتدعة بعد الرسول. ويجعلنا قادرين على قراءة الأحداث التي كانت جارية، أو الاستدلال على الأوضاع السائدة أثناء نزولها، ولو نزلت آية أو آيتين لوحدها لأصبحت سورة.

·   ويمكن ملاحظة أن أكثر السور المكية لا تتحدث عن أي واقعة أو حدث، لأن السنوات الأولى من الدعوة في مكة مرت بشكل رتيب متشابه. حيث استمر محمد يدعوا قريش التي صمت آذانها عن سماع الحق، دون أن يحدث صدام بين قريش وبين محمد والنفر الذين أسلموا معه، وهو ما يعني أنه لم تقع أحداث خلال الفترة التي نزلت فيها تلك السور. قم تغير الوضع مع تغير المخاطب في السور وبدأت الأحداث تتوالى. وفي المدينة سنرى أن السور يسهل ترتيبها حسب النزول لأن الأحداث هناك كثيرة والتعرف على ترتيبها سهل.

 

السورة عبارة عن رسالة تنزل لتتفاعل مع الأحداث التي تجري حين نزولها


وكلما وقعت أحداث ومواضيع كلما طالت السورة، وكلما قلت المواضيع والأحداث قصرت السورة. وهذا أفاد في ترتيب السور لأن السورة عبارة عن سجل يوثق الأحداث التي حدثت وقت نزولها وبمقارنتها بالأحداث في سور أخرى يمكن معرفة موقعها في ترتيب النزول.

والقرآن ليس كالتوراة، ولا يجب أن يؤخذ وكأنه مثلها. ذلك أن التوراة نزلت دفعة واحدة على موسى وأمر بكتابتها على الألواح، لأنها كتاب تشريع وحديث عن أحداث قديمة سابقة لعصر موسى فقط، وليس لها علاقة بما يحدث في الحياة العامة لبني إسرائيل عند نزولها. أما القرآن فهو رسائل تتفاعل مع تفاصيل الحياة اليومية في الفترة التي تنزل فيها كل سورة. لذا نزل مرتلاً على مدى سنوات الدعوة، التي يقول المؤرخون أنها بلغت قرابة ربع قرن.  

 والسورة تنزل لتتحدث عما يجري في الفترة التي نزلت فيها، وتقدم حلولاً للمشاكل القائمة، وتنهى عن أفعال قام بها الناس قبل نزولها، وتعطي الأوامر والإرشادات لما يجب فعله حيال موقف معين. ويمكن ملاحظة أن هناك أكثر من سبعين سورة من أصل 89 سورة مكية، تخلوا من أي تشريع. ولم تبدأ السور بفرض التشريعات إلا في أواخر العصر المكي - فيما عدا الصلاة والإنفاق والغش التجاري - ثم اكتملت التشريعات في المدينة بعدما أصبح للمسلمين دولة تحتاج لدستور وقوانين. وحتى بعد بدء نزول التشريعات استمرت السور بالتفاعل مع ما يجري من أحداث عند نزولها، واستمرت السور تشكل سجلاً يعكس ما يجري في الفترة التي نزلت فيها. وإن كانت أكثر السور المكية لا تتحدث عن أي واقعة أو حدث، فإن هذا يعني أنه لم تقع أحداث خلال الفترة التي نزلت فيها هذه السور.

وكون سور القرآن تعتبر سجلاً للأحداث في الفترة التي نزلت فيها، ولا تتحدث عن المستقبل، أو تفترض مواقف لم تحدث، فهذا ينفي أن يكون هناك آية تتحدث عن أشخاص سيأتون أو  أحداث ستحدث فيما بعد الرسول، إلا ما يعرف بالضرورة. وكل استشهاد بآية على أنها تتحدث عن أشخاص أو عقائد مذهب من المذاهب، هو استشهاد باطل، وتأويل الآية لغير معناها الذي نزلت تتحدث عنه. 

القرآن لا يتحدث عن المستقبل


ولا يخبر بأحداث لم تحدث كتنبؤات ابداً، لا في عصر الرسول ولا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. فلم تنزل سورة تخبر المسلمين أنهم سيهزمون في أحد على - سبيل المثال – مثلما أنه لم تنزل سورة تخبر المسلمين عن القلاقل التي ستحدث بعد وفاة الرسول. إلا أن القرآن أخبر ببعض ما يعرف بالضرورة، ومن ذلك وعيده لأبي لهب بالنار وهو لازال حياً، لأن أبا لهب وأي أبو لهب في أي مكان وزمان ممن أعرضوا عن الحق عند سماعه لأول مرة لن يؤمنوا به بعد ذلك مهما دعوا، كقاعدة أزلية سارت عليها البشرية وذكرها القرآن. ومثل وعد الله بنصر المؤمنين في النهاية. وكل ما يقال عن نبؤات مستقبلية في القرآن هي تأويل لآيات عن معانيها.

أسلوب القرآن


يجب أن يؤخذ القرآن بإسلوبه السهل البسيط الظاهر الذي لا يحمل معان خفية. وعبارات القرآن تؤخذ على معانيها الظاهرة إن لم تكن مجازية.

والسورة الواحدة قد تتحدث عن موضوع واحد، وقد تحوي عدة مواضيع. ويجب الانتباه إلى أن من أساليب القرآن أن يتحدث أحياناً عن موضوع ثم يخرج للحديث عن موضوع آخر أو أكثر ثم يعود للموضوع السابق. كما أن تقطيع الآيات بالأرقام الحالية ليست وقفاً على الرسول ولم يضعها، ولكنها اجتهاد بعد عصر الرسول. وفي أحيان كثيرة فالعبارة تتجاوز رقم الآية وتقف في منتصف الآية التالية، ومن ذلك: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{7} وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ{8} الأنبياء

حيث نلاحظ أن عبارة الآية سبعة انتهت بالآية رقم سبعة، لكن هذا ليس ما نراه في سورة النحل التي تتحدث عن نفس الموضوع قائلة: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{43} بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{44}.

ونلاحظ أن العبارة التي بدأت بالآية 43 لا تنتهي عند قوله: "لاتعلمون"، ولكنها تنتهي عند قوله: "بالبينات والزبر" حيث هنا يجب أن يكون الوقف وليس عند رقم الآية.

ما أقوله هنا يعرفه من لديه معرفة بالوقف في القرآن والتلاوات لكن كثيرون قد لا يعرفونه.

المجاز


في القرآن تكاد لا تخلوا سورة واحدة من عبارات مجازية، ومن ذلك:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{23} وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ{24} تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ{25} تقدم صوراً حسية افتراضية (مجاز) لمصير المؤمن والمكذب. وهنا يجب ملاحظة قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{23}.

فالبعض يأخذها على أنها تعني رؤية رب العالمين. وبعيداً عن نقاش هذه الإمكانية نقول أن الآيات هنا لا تتحدث عما سيكون بقدر ما تقدم تصويرا محسوساً يسهل للمخاطب فهمه، حول نعيم المؤمن يوم القيامة، وتعاسة وبؤس المكذب. وليس القصد من الآيات تقرير حقيقة رؤية الله جل شأنه. وما يجب الانتباه له هو أن المخلوقات كلها في الكون ضعيفة حقيرة لا تساوي شيئاً للخالق سبحانه وتعالى، وأن عالم المخلوقات لا يمكن أن يكون له علاقة وصلة مباشرة بعالم الخالق أبداً. وسيبقى المخلوق مخلوقاً في الآخرة كما هو في الدنيا وإن تغيرت هيئته والوعاء الحامل له. لذا فإن كان لا يستطيع رؤية رب العالمين في الدنيا فلن يراه في الآخرة، والله جل شأنه: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{103}الأنعام.

لأن النظر لله يعني أن لله جل شأنه جسد يرى، وهذا يتنافى مع وصفه سبحانه:... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{11}الشورى.

كما أن البصر والسمع والحواس الأخرى للمخلوقات خلقها الله لها لأنها تيسر لها حياتها، وليس لأنها الوسائل الوحيدة للتواصل في الكون أو في عالم الخالق: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ{78}المؤمنون

وكل الآيات التي تتحدث عن نظر الله للناس أو تكليمهم يوم القيامة هو تعبير مجازي يعني الرضى من الله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{77}آل عمران.

 

السورة تستمر باستخدام التعبير المجازي لتصور حسيا أن البعث سيكون بعد الموت، وهناك سيكون مصير المكذب سيئاً. وكان بإمكانه إعمال عقله والتفكير في كيفية خلقه ليستدل بأن البعث ممكن وينجوا من النار.

كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ{26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ{27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ{28} وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ{29}.

وصف مجازي لمفارقة الحياة، يقصد منه الترهيب، ولا وجود له على أرض الواقع. لأن الإنسان عندما يموت لا تلتف ساقاها على بعضهما، ولا تبلغ النفس عظم الترقوة في طريقها للخروج من الجسد.

الله جل شأنه لا يتدخل في حياتنا الدنيا ولا يغير مسار الأحداث


 

عندما يموت طفل في سنته الأولى ويبقى غيره 100 عام هذا لم يقرره بالله جل وعلى مسبقاً. الموت للطفل حدث لعوامل أرضية منها: عامل الوراثة، عامل تصادم الجينات بين الزوجين، عوامل أحداث معينة، الحوادث، أحداث التسمم الفايروسي والغذائي...وعوامل أخرى لا حصر لها..

المخاطب


وعندما نقول المخاطب فالمقصود هو المخاطب المعني و ليس المخاطب المباشر. والمخاطب المعني هو المراد توصيل رسالة السورة إليه. أما المخاطب المباشر، فهو من تخاطبه الآيات مباشرة، وهو عادة محمد بحكم كونه الرسول.

والمخاطب المعني في مكة كان قريش، في بداية الدعوة. والمقصود بقريش، الكبراء منهم، أما العبيد والموالي في مكة فتطلق عليهم الآيات لفظ المستضعفين. وقد تحول المخاطب بعد نزول 46 سورة لأن قريش لن تغير موقفها الرافض للدعوة مهما دعاهم الرسول. وبدأت الآيات تخاطب كل الناس، بما في ذلك مستضعفي مكة من عبيد وموالي، وبني إسرائيل يثرب، بجانب قريش. وفي المدينة، كان المخاطب أهل يثرب، عموماً، المؤمن منهم والمنافق، وبني إسرائيل واليهود والنصارى، والأعراب حول المدينة، إضافة لاستمرار مخاطبة قريش. ولأن الدعوة بدأت في مكة - بلد قريش - ومحمد قرشي، فمن البديهي أن تبدأ الدعوة بالتوجه لقريش أولاً. وبعد أن تعلن رفضها للدعوة وعدم استجابتها لصوت الإيمان، تتوجه الدعوة لغيرها من الناس.

ولايخاطب القرآن الناس بعد زمن رسول الله لا تصريحاً ولا تلميحاً، وكل الآيات التي يستشهد بها على أنها تخاطب الناس بعد عصر الرسول مأولة عن معناها ومنزوعة من سياقها. ولو أعيدت للسياق لاتضح أنها تخاطب الناس زمن الرسول.

 

أنواع الخطاب


 

في القرآن عدة أنواع من الخطاب أهمها:

الخطاب الدعوي


دعوة كل الرسل تبدأ بالخطاب الدعوي للإيمان بالله. ويكون أسلوب الدعوة متناسباً مع مدارك ووعي المدعو، ولا تتحدث معهم عن أشياء لا يعرفونها أو لاتسعفهم مداركهم على فهمها. ويدخل ضمن الآيات الدعوية كل الايات التي تتحدث عن القيامة والبعث والصور المجازية الحسية لما في الجنة والنار وغيرها من آيات الترغيب والترهيب. وهذه الايات سمة غالبة في السور المكية على العموم. لأن الغاية من الدعوة في البداية هي إقناع المخاطب بالإيمان، وبعد تكون مجتمع مسلم تفرض التشريعات. وبعد فرض التشريعات واكتمال أوامر الدين ونواهيه لن يكون هناك حاجة للخطاب الدعوي. وكل من يأتي بعد الرسول لن يجد له خطاباً دعوياً في القرآن، ولكنه سيجد ديناً كاملاً، عليه أن يقرأه ويفكر فيه فإن اقتنع بصحته فليسلم وإن لم يقتنع فليكفر. لذلك فكل من يظن أن في القرآن خطاب دعوي للناس في هذا العصر أو في أي عصر بعد وفاة رسول الله فهو مخطئ، ولو استدل بآيات على ظنه، فهو يأول الآيات لغير معانيها.

وعليه فالدعوة للإسلام – بعد الرسول – لايمكن أن تعتمد الخطاب الدعوي الذي توقف باكتمال التشريعات. ولكن تعتمد على إظهار تشريعات الدين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. وهو ما ينفي الزعم بأن القرآن يحوي معجزات علمية أو رقمية أو غيرها لم يعرفها الناس إلا في هذا العصر. لأن الخطاب الدعوي كان موجهاً لقريش والناس زمن الرسول وليس لكل الناس في كل العصور. والخطاب الدعوي لا يعني الدين، فالإسلام دين لكل الناس في كل العصور. لكن الخطاب الدعوي يعني محاولة إقناع المخاطب للإيمان بالله والذي يسبق نزول التشريعات. وهو موجه للناس زمن الرسول وتوقف زمن الرسول بعد أن تكونت دولة للمسلمين في المدينة.

وهذه النقطة مهمة جداً ويغفل عنها الكثيرون.

الخطاب التشريعي


وهو الخطاب الذي يلي الخطاب الدعوي، وتفرض خلاله التشريعات الدينية، وهذا لا يكون إلا بعد إسلام أعداد كافية من الناس لتكوين مجتمع مسلم. ولذلك يمكن ملاحظة أن هناك أكثر من سبعين سورة من أصل 89 سورة مكية، تخلوا من أي تشريع، فيما عدا الصلاة والإنفاق والغش التجاري، لأنه لم يدخل الإسلام إلا نفر قليل جدا، طوال السنوات الأولى للدعوة في مكة.

وعندما تغير خطاب الدعوة وبدأت السور تخاطب كل الناس، دخلت أعداد من بني إسرائيل يثرب وبعض مستضعفي مكة وأناس آخرين الإسلام، وأصبح هناك مجتمع مسلم، فبدأت السور بفرض التشريعات في أواخر العصر المكي. وفي المدينة بعدما أصبح للمسلمين دولة تحتاج لدستور وقوانين، توالى نزول التشريعات.

الخطاب الإرشادي


وهناك خطاب إرشادي موجه للرسول عليه الصلاة والسلام. بعضه للتأهيل النفسي والذهني لتحمل متاعب الدعوة ويأتي في مقدمة ذلك العشر آيات الأولى من سورة المزمل والتي بموجبها انعزل الرسول في غار حراء يطبق عملياً ما أمرته به الآيات المذكورة. واستمرت آيات كثيرة تنزل لتشحذ همة الرسول وتشد من أزره كلما تدنت المعنويات نتيجة لما يواجهه من عنت وسخرية من قريش، بعضها سور كاملة مثل الضحى والانشراح وبعضها آيات ضمن سور مثل: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى{130}طه.

وهناك خطاب إرشادي موجه للمؤمنين، مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً{71}النساء.

الخطاب القصصي


القرآن يحوي خطاباً قصصياً يخبر عن أمم سابقة، وهو ينقسم إلى قسمين:

1.  قصص يتحدث عن أقوام هلكوا بكوارث طبيعية ونجا الرسول والقلة الذين آمنوا معه، مثل:قوم نوح، عاد، ثمود، قوم شعيب، قوم لوط. وهؤلاء دائماً وأبداً تتحدث عنهم آيات تخاطب قريش لعلها تعتبر مما حدث لهم وتؤمن.

2.  قصص يتحدث عن أقوام وأشخاص آخرين، وهم إما من بني إسرائيل أو لهم علاقة بتاريخ بني إسرائيل ومعروفين لديهم، مثل موسى وفرعون، وسليمان وداوود، وزكريا ويحيى، ومريم وعيسى، ولقمان، وذو القرنين، ويأجوج ومأجوج، وأهل الكهف. وذكرهم في القرآن على الدوام ضمن خطاب موجه لبني إسرائيل يثرب ومن في حكمهم كيهود ونصارى يثرب. وذلك للتأكيد على أن محمداً رسول لله، وإلا فلا سبيل له للحصول على هذه التفاصيل الدقيقة عن ذلك التاريخ. كون بني إسرائيل يؤمنون بالجنة والنار والبعث لكنهم يشكون في أن محمداً رسول لله.

فرعون وهامان وقارون تذكرهم آيات موجهة لقريش أيضاً، كونهم عصوا وهلكوا لعل قريش تعتبر. كما أن الآيات التي تذكر إبراهيم وبنيه بعضها موجه لقريش وأخرى موجه لبني إسرائيل.

الخطاب الوعظي


وهو موجه للمؤمنين، مثل الآيات التي تنهى عن الاستمرار في ممارسة الربا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{278}البقرة.

خطاب الوعد والوعيد


وخطاب الوعد موجه للمؤمنين مثل وعدهم بالوجنة ونعيمها وكل آيات الترغيب وآيات الوعد بالنصر. بينما خطاب الوعيد موجه للكفار والرافضين للدعوة، بعضه لشخص بعينه وبعضه موجه لمجموعة.

 

الملامح


ونقصد بالملامح هي تلك الصفات والمواصفات والمواضيع التي تتكرر في سور مرحلة من المراحل بحيث تميزها عن سور المراحل الأخرى. وسنجد أن ملامح السور في أي مرحلة تتناسب مع الرسالة التي تريد السور إيصاله للمخاطب في تلك المرحلة. فقريش الذين لا يؤمنون بالبعث والحياة بعد الموت، تخاطبهم السور في بداية الدعوة بتقديم الصور الحسية لما في الجنة من نعيم وما في النار من جحيم لزيادة التأثير والإقناع بأن البعث سيقع، كما في السور التالية: الواقعة: 12 – 44، 51 – 56، 90 – 94، الغاشية: 1 – 16، المرسلات: 28 – 50، الحاقة: 19 – 32، عبس: 38 – 42، الرحمن: 43 – 78، المطففين: 19 – 28، يس: 54 – 58، الإنسان: 4، 12 – 22، الطور: 20 – 28.

وتقديم صوراً حسية لانهيار هذا الكون ونشأة كون جديد للقيامة، لتقول لقريش أن البعث لن يكون في هذه الدنيا، ولكنه سيكون في كون آخر سيخلقه الله بعد انهيار وتلاشي هذا الكون، كما ورد في السور التالية: القارعة: 4 – 5، الزلزلة: 1 – 5، الانفطار: 1 – 5، الانشقاق: 1 – 5، التكوير: 1 – 14، الواقعة: 1 – 6، 46 – 47، الفجر: 21، القيامة: 7 – 13، المرسلات: 8 – 13، الحاقة: 13 – 18، النبأ: 18 – 20، يس: 51 – 53 (الصور)، الطور: 9 – 10، الرحمن: 37 – 38، ق: 20 (الصور).

وملامح أخرى مثل الحديث عن أن الأعمال تسجل وبناءً على صحيفة الأعمال سيكون الحساب.

وبعد أن تغير خطاب الدعوة لكل الناس وبني إسرائيل والمستضعفين في مكة بجانب قريش، نجد أن من أهم ملامح هذه المرحلة الحديث عن بني إسرائيل وقصصاً من تاريخهم، لتؤكد لهم أن محمداً رسول لله، وإلا ما علم عن هذه القصص شيئاً. وتقديم صور حسية عن الضعفاء الذين دخلوا النار وكيف أنهم يتخاصموا مع ساداتهم فيها: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ{31} قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ{32} وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{33} سبأ.

وهي آيات تصور ما سيكون، لعل المستضعفين يؤمنوا وينقذوا أنفسهم.

ومن الملامح التي بدأت في هذه المرحلة دعوة كل الناس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ{5} فاطر.

ثم في مرحلة تالية بدأت الآيات تتحدث عن دفع الظلم، حيث أباحت السور للمسلمين الذين بدءوا يتعرضون للأذى الجسدي من قريش، بدفع الظلم عن طريق معاقبة المعتدي بمثل ما اعتدى به.

وفي الأيام الأخيرة للدعوة في مكة كان الحديث عن الهجرة، وعن التعذيب الجسدي الذي يتعرض له المسلمون على أيدي قريش.

تناسي كل ما ورد في علوم الدين


اعتبار القرآن كتاب تقع عليه العين للمرة الأولى، ولا علاقة له بكل ما نعرف أو علق في أذهاننا مما يسمى بالعلوم الدينية، كالفقه والحديث والتفسير والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، وقصص الأنبياء والسير وغيرها.

وفي البداية لن يكون تجاهل تلك العلوم الموروثة سهلاً، وسنجد أنفسنا نقرأ القرآن بألسنتنا، بينما أذهاننا تفهمه بالمعنى الموروث. لكن مع تكرار المحاولات والحرص على الاستمرار، سيبدأ الموروث يتوارى، ببطء، وبدرجات متفاوتة حسب القدرة على التخلص منه، والتي تختلف من شخص لآخر.

السياق


يعني فهم العبارة ضمن موقعها في الآية أو الآيات التي تتحدث عن موضوع واحد، حيث أن هناك العديد من المواضيع التي تتحدث عنها عدة سور، مثل: المنافقين في مكة الذين أعلنوا إسلامهم وهاجو لكنهم أبقوا على علاقة ود وولاء لأقاربهم مشركي مكة. ومثل الحديث عما صدر من بعض المنافقين والذين في قلوبهم مرض في المدينة أثناء حفر الخندق وما تسبب في مشاكل اجتماعية نتيجة ملاحقتهم للنساء وترويج الإشاعات الكاذبة، والذي تحدثت عنه سور الأحزاب، النور، والمنافقون، وكان سبباً في فرض الجلد على من ثبت أنه يزني، وتحريم الزواج من الزناة وجلد كل من يقذف زوجه.

وسنقوم بتطبيق تتبع السياق، على المثال التالي:

غالبية المسلمون يعتقدون أن "رجال الدين" ذكروا في القرآن، وعلينا أن نسألهم عن أحكام الدين فما يحرمونه فهو حرام وما يحلونه فهو حلال. ويستدلون بقوله تعالى " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ".

وكأن أهل الذكر هم رجال الدين.

لكن تعالوا نعيد العبارة إلى سياقها الذي اقتطعت منه، ونرى إن كانت تحتفظ بنفس المعنى أو أن لها معنى آخر، هو معناها الصحيح الذي يجب أن نأخذه.

والسياق، أنواع، منه:

سياق العبارة ضمن الآية

تتمة الآية كما يلي:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{43} النحل

وهذا يظهر أن الآية تتحدث عن أن كل الرسل الذين أرسلوا قبل محمد كانوا رجالاً، ولتأكيد هذه الحقيقة، يمكن سؤال "أهل الذكر".

فالسؤال ليس عن أمور دين أو فتوى. ولكن عن حقيقة أن الرسل السابقين كانوا رجال (بشر). وبالتالي فليس رجال الدين هم المقصودين بـ"أهل الذكر".  (قرينة # 1)

وهناك سياق أشمل، وهو:

سياق الآية بما حولها من آيات

سواءً قبلها أو بعدها، حسب توجه الآيات.

لذا سنقرأ الآية السابقة مع الآية التي تلتها: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{43} بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{44} النحل.

هنا نجد أن المعنى يتضح أكثر:

" فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{43} بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ".

فالسؤال لأهل الذكر الذين لديهم علم بالبينات والزبر.

فما هي البينات وما هو الزبر.

نعود للقرآن ونرى ما هي البينات والزبر.

وقد ورد لفظ البيات في عشرات الآيات وكلها تعني ما أوتي الرسل، ومن ذلك:

وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ{49} قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ{50} غافر.

البينات إذاً، هي تلك التي أرسل بها الرسل للناس، هي الدين. وهي التي أرسل بها محمد: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ{66} غافر.

وهنا لابد من الإشارة إلى أننا هنا بينا أن التعرف على لفظ يرد في القرآن يكون بالرجوع للآيات التي ذكرته حسب سياقها، كما فعلنا بالنسبة للبينات، وهو ما سنفعله للتعرف على المقصود بالزبر.

فلفظ "الزبر" ورد في آيات مقروناً بالبينات، مثل: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ{184} آل عمران.

وفي سورة النحل: 44، وفاطر:25. وهي تعني ما جاء به الرسل لأقوامهم:البينات والزبر والكتاب المنير (أي الدين).

ويكون معنى أهل الذكر هم من لديهم علم ومعرفة بالبينات والزبر (الدين) الذي جاء به الرسل قبل محمد.

ولا تتحدث عن "رجال الدين" الذين ظهروا على الساحة في العصر العباسي.

 ثم ننتقل إلى سياق أشمل، وهو:

سياق الآيات ضمن السورة كلها

وهذا سيعيننا على التعرف على من هو المخاطب في قوله "فأسألوا".

وعلى معرفة مناسبة الآية ولماذا قيلت؟

 تبدأ سورة النحل كما يلي: أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{1} يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ{2}

الآيات تخبرنا أن المخاطب في السورة هم المشركين، أي قريش.

ثم تستمر الآيات داعية قريش للتفكير فيما حولهم الدال على قدرة الله على البعث الذي ينكرون.

إلى أن تقول: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{33}

وهنا إشارة إلى مطالبة قريش أن تنزل عليهم الملائكة لكي يصدقوا أن محمد، رسولٌ من الله.

وهنا إشارة لتكذيبهم للبعث الذين يصرون عليه: وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ{38}

ثم تأتي الآيات برد طلبهم في نزول الملائكة لأن كل الرسل قبلهم كانوا بشر ولم يرسل الله ملائكة: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{43} بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{44}.

والآيات تطلب من قريش أن تسأل الناس الذين سبق وأرسل في أسلافهم رسل هل كانت تلك الرسل ملائكة أم رجال؟

هكذا تتضح الصورة أكثر.

 ولكن بقي بعض الغموض، مثل:

من هم الذين أرسل لهم رسل ويمكن لقريش سؤالهم؟

وهذا يمكن أن يتضح لنا إذا ما نظرنا لسياق أشمل من سياق السورة، وهو:

سياق السور

نزلت سورة النحل في مرحلة كانت السور قد تحولت لتخاطب بني إسرائيل، مما يعني أنهم أصبحوا يتواصلون بمحمد ويتواجدون في مكة للقاء الرسول والاستماع إليه فيما يدعوا. وبالتالي فمن السهل على قريش أن تسألهم إن كان من بين الرسل التي أرسلت لهم طوال تاريخهم ملائكة أو أن كل من أرسل لهم بشر (رجال).

ويمكننا القول أن النحل لو نزلت في بداية الدعوة عندما كان الخطاب موجه لقريش فقط، فلن تقول الآية فاسألوا أهل الذكر. لأن بني إسرائيل (أهل الذكر) لم يكن لهم تواجد مكثف في مكة إلا بعدما تحول خطاب القرآن لهم بدءً من سورة "ص".

قراءة السور بترتيب حسب نزولها


تكمن أهمية هذا العامل في القدرة على فهم ما تتحدث عنه الآيات حسب سياقها في السورة، وفي سياق السورة ضمن السور التي قبلها. وتَتَبُّعِ التشريعات وأسباب فرضها، وترجمة الأحداث - التي أخبر بها القرآن - إلى تاريخ، دون الحاجة لتفسير وتأويل.

وقد تم بعون الله التوصل لترتيب السور حسب النزول عبر منهجية واضحة شرحت في كتاب أحسن القصص، وبموجب تلك المنهجية فقد مرت الدعوة بمكة بسبع مراحل مختلفة الملامح، ومرت الدعوة في المدينة بثمان مراحل. وفيما يلي ذكر المرحلة والسور التي نزلت فيها، وأهم ملامحها:

المرحلة الأولى


لأن الوحي عبارة عن رسائل من الله للناس، فلابد أن يبدأ بشكل منطقي يتمثل بتعريف محمد أنه أصبح رسولاً لله، وتعريف قريش أن محمداً يحمل لهم رسائل من الله. فجاء نزول سور هذه المرحلة كسور تعريفية لمحمد بأنه أصبح رسولاً لله، ولتقول لقريش أن هناك بعث وحياة بعد الموت. دون وعد أو وعيد أو تشريع، كنوع من تهيئة قريش للدعوة التي ستبدأ في وقت لاحق.

وهذه المرحلة سابقة لبدء الدعوة، فبداية الوحي لا يعني بداية الدعوة. بداية الوحي كانت بنزول أول سور القرآن – الفاتحة – بينما الدعوة لم تبدأ إلا مع نزول سورة المدثر: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{1} قُمْ فَأَنذِرْ{2}. فهذه المرحلة تعريفية تهيئ قريش لسماع الدعوة. 

وقد نزل في هذه المرحلة سبع سور هي: الفاتحة، الفيل، قريش، العصر، التين، التكاثر، والعاديات.

والفاتحة سورة بالفعل مناسبة لبداية وافتتاح الوحي، ومتميزة عن كل سور القرآن:

فهي تبدأ باسم الله، وهي السورة الوحيدة بين سور القرآن التي تعتبر البسملة في أولها، آية من آيات السورة. وبقية سور القرآن كلها تبدأ بآيتها الأولى وليس بالبسملة، وما نراه في المصحف من وضع البسملة قبل كل سورة فهذا لم ينزل به الوحي، ولكنه اجتهاد من المسلمين. 

والوحي بدأ ببسم الله، مثله مثل أي عمل أو قول نقوم به حيث أمرنا بالبداية ببسم الله. فعندما نشرع بالأكل نقول باسم الله مرة واحدة ولا حاجة لترديد البسملة كلما رفعنا أيدينا لأفواهنا.

والفاتحة سورة فريدة من نوعها ومثالية لبداية الوحي. ولا وجود فيها لتشريع ولا وعد ولا

وعيد، ولا تخاطب بشراً بعينه، ولا تتحدث عن حادثة محددة أو موضوع.

وبعد البسملة، تقول السورة أن الحمد يكون لله خاصة، لأن ما يسره سبحانه لخلقه يستحق الحمد. والحمد هو الشكر المثالي، وأعلى درجات الشكر والعرفان، مثلما أن القسط أعلى درجات العدل.

ثم تواصل السورة قائلة أنه سبحانه هو رب العالمين، ولا رب أو معبود سواه في هذا العالم. سواءً كان خافياً كما الآلهة المتعددة التي تعتقد قريش بوجودها، أو مشاهداً كالأصنام التي تعبدها.

وهو الرحمن بذاته، الرحيم بغيره. وهو وحده ملك يوم الدين، ولن يكون هناك ملك يحكم في ذلك اليوم بين الخلائق غيره. وقوله "ملك يوم الدين" أول تأكيد على وجود بعث وحساب، وهو ما ستصر قريش على إنكاره.

وقوله " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" تعريف بأن الله وحده هو المعبود، وهو وحده القادر على العون.

وتختم السورة بدعاء على لسان المرء، يطلب فيه من الله أن يهديه للصراط المستقيم والدين القويم الذي لم تعرفه قريش، ولم يعرفه محمد بعد. 

وبهذه الصفات المتميزة والفريدة للسورة، وبتسميتها الفاتحة، فهي بالفعل فاتحة الوحي الذي نزل على محمد. تعرفه بمن نزلت بأمره، وترشده من يعبد، ومن يستعان به، ومن يُحمد.

 

بعد الفاتحة نزلت الفيل وقريش وهما سورتان تذكران قريش ببعض نعم الله عليهم، دون وعيد أو تهديد، فقط تذكير بنعم الله.

سورتي العصر والتين تقولان أن من لا يؤمن سيخسر.

ثم سورتي التكاثر والعاديات، وتتحدث آياتهما عن انغماس قريش في الدنيا، دون أن يعيروا اهتمامهم لما بعد الموت.

المرحلة الثانية / التأهيل


ويمثل هذه المرحلة سورة المزمل

وهي سورة نزلت لتأهيل محمد عليه الصلاة والسلام تأهيلاً نفسيا وفكريا ليكون قادراً على تحمل الضغوط النفسية الهائلة التي سيواجهها طوال فترة دعوته، وذلك في العشر الآيات الأولى:  

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ{1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً{2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً{3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً{4} إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً{5} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً{6} إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً{7} وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً{8} رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً{9} وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً{10}

هذه الآيات تشكل برنامجاً مكثفاً للتأهيل النفسي يقوم على سهر الليل للتأمل وتسبيح الله وذكره. لفترة من الزمن. وقد خضع محمد عليه الصلاة والسلام لهذا البرنامج لفترة من الزمن.

وتنفيذ هذا البرنامج يحتاج لمكان هادئ بعيد عن الناس، وهو ما يعني أن محمد عليه الصلاة والسلام قد اعتكف في غار حراء في هذه الفترة وليس كما يقول المؤرخون أن اعتكافه عليه الصلاة والسلام في الغار كان قبل البعثة.

والمزمل من التزمل الذي يعني التعجل والنشاط والحماس  وليس من التغطي بالأغطية كما يقول المفسرون. لأن التزمل بمعنى النشاط والحماس ينطبق على محمد عندما تلقى السور السبع الأولى حيث أظهر نشاطا وهمة لتلاوتها على قريش والتنقل بين نواديهم وتجمعاتهم.

فالمزمل تقول له: الأمر أكبر مما تتصور بكثير وتحتاج لتدرب وتأهيل واستعداد

كما أن سورة المزمل أعلنت أن محمد أصبح رسولا لله:

إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً{15} فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً{16} فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً{17}

المرحلة الثالثة / البدء الفعلي للدعوة


وتمثل هذه المرحلة سورة المدثر

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{1} قُمْ فَأَنذِرْ{2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ{5} وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ{6} وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ{7}

ويمكن أن أتخيل أن رسول الله كان متدثرا في غار حراء برداء أو نحوه عندما نزلت عليه السورة.

وقد رجع رسول الله لمكة مرة أخرى بعد انقطاع دام لفترة أشهر لا نستطيع تحديدها. وخرج لتجمعات قريش يتلوا عليهم سورة المدثر.

لقد بدأت الدعوة الفعلية هنا

وسبقها مرحلة تهيئة ومرحلة تأهيل ثم مرحلة إعلان البدء بالدعوة.

وكما هو ملاحظ لم يصب الرسول بالذعر ولم يهرع لورقة ابن نوفل المسيحي المزعوم لكي يخبره ما الذي حدث له. فالسور نزلت بتسلسل متناسب مع مجريات الأحداث وبشكل منطقي.

ونقدم للقراء جدولاً عاماً لأهم ملامح ومواضيع السور في المراحل الأربع الأخيرة للدعوة في مكة، على اعتبار أن المرحلة الرابعة هي البداية الفعلية للدعوة. مع ضرورة ملاحظة ثلاثة أمور هامة:

1.     أن ملامح المرحلة هي تلك التي تبدأ بها أولاً، وإن استمرت لمراحل لاحقة.

2.     وأن هناك بعض الملامح تبدأ في مرحلة، لكن لا يمكن أن تعتبر خاصة بتلك المرحلة.

3.  أن ما ورد في الجدول يبدوا غير مفهوم للكثير من القراء، لكن بمجرد الانتهاء من مشروع تدبر القرآن سيبدو واضحاً، وسهل المتابعة بعون الله.

ونعتذر لصغر الخط الذي اقتضته ضرورة عرض الصفحة:

 

 


الجدول العام لملامح المراحل الأربع الأخيرة للدعوة في مكة
الملامح والمواضيع
المرحلة الرابعة /  استمرار الدعوة لقريش
المرحلة الخامسة / تغير المخاطب والخطاب
المرحلة السادسة /  الأذى الجسدي ودفع الظلم
المرحلة الأخيرة /  الهجرة
تقديم صور
حسية عن انهيار هذا الكون ونشأة كون القيامة
القارعة: 4 – 5، الزلزلة: 1 – 5، الانفطار: 1 – 5، الانشقاق: 1 – 5، التكوير: 1 – 14، الواقعة: 1 – 6، 46 – 47، الفجر: 21، القيامة: 7 – 13، المرسلات: 8 – 13، الحاقة: 13 – 18، النبأ: 18 – 20، يس: 51 – 53 (الصور)، الطور: 9 – 10، الرحمن: 37 – 38، ق: 20(الصور).
 
النازعات: 6 – 7، طه: 102 (الصور)، 105 – 107، الزمر: 68، النمل: 87 – 88 المعارج: 8 – 10، يونس: 4 (الكون سينتهي، ثم ينشأ كون جديد)
 
إبراهيم: 48 (سيستبدل الكون)
 
البعث : إنكاره وتأكيده
القارعة: كل السورة، الزلزلة: كل السورة، الانفطار: كل السورة 17 – 19 خاصة، الانشقاق:15 – 19، الواقعة: كل السورة وخاصة 4 – 7، 95، القيامة: 3 -4، 6، 36 – 40، المرسلات: 1 – 7، عبس: 33 – 37، يس: 48 (تساؤل ساخر عن البعث)، الملك: 25 (تساؤل ساخر عن البعث)، ق: 3، الطور: 1 – 8، النبأ: 1 – 5 (تساؤل ساخر)، 17 ، 39 (في وقت محدد).
 
الصافات: 15 – 21، مريم: 66، سبأ: 3، 6 – 9، النازعات: 8 – 14، 34 – 41، الذاريات: 1 – 14، 20 – 23، النازعات: 42 (تسأل بسخرية عن البعث) السجدة: 10، السجدة: 28-29 (تساؤل ساخر عن البعث)، المعارج: 1 – 4 (تساؤل ساخر عن البعث) يونس: 48-49، 53، تأكيد البعث (55).
 
بني إسرائيل: 49-50 (49-50)، هود: 7 (إنكار)، 8 (تساؤل عن وقوعه بسخرية)، الأنبياء: 38، 41 (تتساءل عنه بسخرية).
 
تقديم صور حسية مألوفة عما في النار والجنة للترغيب والترهيب (حسية الجنة والنار)
الواقعة: 12 – 44، 51 – 56، 90 – 94، الغاشية: 1 – 16، المرسلات: 28 – 50، الحاقة: 19 – 32، عبس: 38 – 42، الرحمن: 43 – 78، المطففين: 19 – 28، يس: 54 – 58، الإنسان: 4، 12 – 22، الطور: 20 – 28.
 
ص: 49 – 58، الصافات: 40 – 50، 62 – 70، الكهف: 29 – 31.
 
 
وعد للمؤمن ووعيد للكافر
القارعة: 6 – 11، الانفطار: 13 – 16، الانشقاق: 13 – 14، 24 – 25، الشمس: 9 – 10، الليل: 5 – 11، 14 – 21، الغاشية: 23 – 24، الفجر: 21 – 30، القيامة: 26 – 35، المرسلات: عموم السورة، وتكرار ويل يمئذ للمكذبين، النبأ: 21 – 37، 40، ن والقلم: 34، 42 – 45، الجن: 23 – 24، الرحمن: 39 – 42، المطففين: 7 – 24، يس: 59 – 76، الإنسان: 4 – 6، الملك: 6 – 7، 12، ق: 24 – 35، القمر: 46 – 48، 54 – 55، الطور: 11 – 19.
 
فصلت: 6 – 8، 27 – 28، الذاريات: 15 -16، 59 – 60، النازعات، 37 – 41، ص: 27، مريم: 36 – 38، 60 – 63، 68 – 71. السجدة: 12- 17، يونس:4.
 
 
 
كل نشاط فعلي أو قولي أو ذهني يسجل ويحاسب عليه (صحيفة الأعمال)
القارعة: 6 – 11، الطارق: 4، الزلزلة: 7 – 8، الانفطار: 10 – 12، الانشقاق: 7 – 12، الحاقة: 19 – 32، 35 – 37، النبأ: 40، القيامة: 13، يس: 12 ، 65، النازعات: 35، النجم: 38 – 39، القمر: 51 – 53.
 
الجاثية: 22، 28 – 29، فصلت: 25 – 29، غافر: 17، الكهف: 49، سبأ: 3 – 5، الأعراف: 7 – 9.
 
المؤمنون: 62، 102 - 103، بني إسرائيل: 13 - 14، 71 - 72، الأنبياء: 47،
 
الرعد: 10 – 11.
أنباء عما حدث لأمم سابقة + قصص سابقة للعبرة
الشمس: 11 – 15 (باختصار)، الفجر: 6 – 14، الحاقة: 4 – 10، النجم: 50 – 55، نوح: كل السورة، ق: 12 – 15، 36 – 37، القمر: 9 – 43. ن والقلم: قصة للعبرة: 17 – 33، يس: قصة للعبرة: 13 – 23.
 
الصافات: 75 – 82، فصلت: 13 – 18، الكهف: 32 – 44، الأعراف: 59 – 95، النمل: 45 – 58، الأحقاف: 21 – 28، الذاريات: 41 – 46.
 
المؤمنون: 23 - 48، يونس: 71 - 74، هود: 25 - 95، الشعراء: 105 - 191، إبراهيم: 9 - 17، الأنبياء: 74 - 77،
 
العنكبوت: 14 0 43،
الدين خيار شخصي بحت، مخير لا مسير
الشمس: 7 – 8، الليل: 12 – 13 (لمن يرغب النجاة)، التكوير: 27 – 28 (لمن يرغب النجاة)، البلد: 10، القيامة: 14 – 15، النبأ: 39، عبس: 11 - 12، يس: 3، الإنسان: 29 – 31.
 
الجاثية: 15، فصلت: 46، الكهف: 29، الزمر: 41، النمل: 92.
 
بني إسرائيل: 15، يونس: 108،
 
القصص: 84، الأنعام: 104،
دعوة للتفكير بالمخلوقات للاستدلال على قدرة الخالق على البعث
عموم السور الانفطار: 6 – 8، الانشقاق: 6، الغاشية: 17 – 20، البلد: 4 – 10، المرسلات: 16 – 27، الحاقة: 11 – 12، النبأ: 6 – 16، عبس: 17 – 32، النجم: 35 – 48، يس: 33 – 44، 75، 77 – 83، الإنسان: 1 – 2، الملك: 3 – 4، 13 – 24، 27 – 30، ق: 6 – 11، 15 – 16، الطور: 35 – 44.
 
النازعات: 27 _ 33، الذاريات: 20 - 23، 47 - 49، ص: 9 - 10، الجاثية: 3- 5، 12 - 13، فصلت: 9 - 12، 37 - 40، غافر: 57، مريم: 67، الكهف: 45، سبأ: 22 - 27، 46، الأعراف: 57-58، 97 - 100.
 
بني إسرائيل: 66- 70،
 
النحل: 1 - 21،
قريش تتهم محمد بالجنون والشعر والكهانة والكذب والسحر ..
التكوير: 15 – 25، الواقعة: 75 – 80، الحاقة: 38 – 43، 48 – 52، ن والقلم: 1- 6، 51 – 52، يس: 3 – 5، 69، النجم: 1 – 4، الطور: 29 – 30، 33 – 34.
 
الصافات: 35 – 36، سبأ: 43 – 44، الأعراف: 184، الحجر: 6، الأحقاف: 7 – 8، الذاريات: 52.
 
المؤمنون: 70، السجدة: 3، بني إسرائيل: 47 - 48، الشورى: 24، يونس: 2، هود: 13، الشعراء: 210 - 212، الأنبياء:3 - 5.
 
الرعد: 43،
قريش تعلن الكفر
الانشقاق: 20 – 22، الواقعة: 45 – 48، يس: 7 – 10، 46، القمر: 3 – 5، ق: 5، القيامة: 20 – 21 (تفضل الحياة الدنيا).
ص: 2 – 8، الجاثية: 24 – 26، 32، فصلت: 4 -5، غافر: 6 ، 12، الزخرف: 20 – 22، تبعت سنة الأولين: 23 – 24، الكهف: 54 – 55، سبأ: 45، الأعراف: 101 – 102، الحجر: 13، الذاريات: 52 – 53.
المؤمنون: 63 - 77، بني إسرائيل: 42 -44 (عقلانية لنفي الشرك)، الأنبياء: 21 - 22 (نفي الشرك)،
النحل: 37 (وضوح الحق لا يكفي)،
مخاطبة الرسول لشد عزمه والقيام بأعمال تعينه على تحمل المتاعب
 
الواقعة: 74، 95 – 96، البلد: 17، يس: 76، الإنسان: 23 – 28، ق: 39 – 40، الطور: 48 – 49، الضحى: كل السورة، الشرح: كل السورة.
 
طه: 130
 
 
 
محمد ليس مسئولا عن الهداية
 
الغاشية: 22، الجن: 20 – 22، الملك: 26 (لايعلم الغيب)، ق: 45.
 
الذاريات: 55
 
 
محمد لا يسأل أجرا مقابل الدعوة
 
ن والقلم: 46، الطور: 40.
 
ص: 86، سبأ: .47.
 
المؤمنون: 72، الشورى: 23، يوسف: 104.
 
الفرقان: 57، الأنعام: 90.
سخرية قريش من محمد والمسلمين والقرآن 
المطففين: 29 – 33، النجم: 59 – 62، ن والقلم: 51، 48 – 50 (محمد فكر بالهرب نتيجة تأذيه من السخرية)، يس: 47 (لو الدعوة صحيحة لأطعم الله المؤمنين به).
ص: 16، الصافات: 12 – 18، الجاثية: 7 – 10، 35، فصلت: 26، الزخرف: 6 – 7، سبأ: 29 – 30، الأعراف: 187، الحجر: 10 – 12، النمل: 71 – 72
الكوثر: كل السورة (رد على سخرية من شخص الرسول)
الرعد: 32، الأنعام: 33 (الرسول يتأذى من السخرية).
بشرى بالنصر على قريش
القمر: 44 – 45.
ص: 11، الصافات: 171 – 173، غافر: 51.
 
يونس: 102 -103، يوسف: 110، إبراهيم: 47،الأنبياء: 9
 
قريش تظن أن الملائكة بنات الله
النجم: 21 – 22، 27 – 28، الطور: 39.
الصافات: 149 – 160، الكهف: 4 – 5، الزمر: 4، الزخرف: 15 – 19، 81.
المؤمنون: 91 - 92، بني إسرائيل: 40، 111،  يونس:68، الأنبياء: 26 - 28.
النحل: 57 - 60، 62، الأنعام: 100 - 103،
الجن منعوا من التجول في الفضاء
 
الجن: 8 – 10، الرحمن: 33 – 36، الملك: 5.
 
الصافات: 6 – 10، الحجر: 16 – 18.
 
 
خلق السموات والأرض
 
ق: 38.
 
الأعراف: 54.
 
يونس 3، هود: 7، ، السجدة: 4.
 
الفرقان: 59
لن ترى قريش أي معجزة حسية
القمر: 1 – 2
غافر: 78، الأعراف: 203، الحجر: 7 – 8 (طلب رؤية الملائكة)، 14 – 15، طه: 133.
بني إسرائيل: 90 - 93، يونس: 20، هود: 12، الشعراء: 4،
الفرقان: 7-8، 20 - 22، العنكبوت: 50 - 51، الأنعام: 7 - 9، 13، 36-37، 50، 109 - 111، 158.
القيامة بالنسبة لمن يموت كلمح البصر
يس: 49 – 50، القمر: 50.
الصافات: 19، الأحقاف: 35، النازعات: 13 – 14، 46
المعارج: 6 - 7، الأنبياء: 40.
النحل: 77،
قريش تتربص بمحمد
الطور: 30 – 32، 48.
غافر: 5، الزمر: 36، طه: 135، الزخرف: 41 - 42.
بني إسرائيل: 76 - 77 (قريش تعمل على إخراج الرسول من مكة)، الشعراء: 167 (من المعتاد أن يعمل الكفار على طرد رسولهم).
 
مستضعفون وكبراء (التابع والمتبوع)
 
ص: 59 – 61، الصافات: 27 – 34، فصلت: 25 – 29، غافر: 47 – 50، الزخرف: 36 – 39، سبأ: 31 – 42، الأعراف: 38 – 39.
بني إسرائيل: 16 (الكبراء يقودون الكل للهلاك)، الأعراف: 38 – 39، إبراهيم: 20 – 21.
 
القصص: 62 - 66.
آدم وإبليس
 
ص: 71 – 85، الكهف: 50، الأعراف: 11 – 25، الحجر: 26 – 43، طه: 115 – 127.
 
بني إسرائيل: 61 - 65.
 
الأمر بمقابلة إساءة قريش بالإحسان
 
الجاثية: 14، فصلت: 34 – 35، غافر: 55 (اصبر)، الزخرف: 89، الأعراف: 199 – 201، الحجر: 85، الأحقاف: 35 (اصبر).
المؤمنون: 96، المعارج: 5 (اصبر)، يونس: 109 (اصبر وانتظر)،
 
مخاطبة كل الناس
 
سبأ: 28، الأعراف: 158، فاطر: 3، 5، 15 – 17، الزمر: 27، 41
بني إسرائيل: 13 - 14، 71 - 72 (القرآن خلاص لكل الناس)، الشورى: 7 (لتنذر أم القرى وما حولها)، يونس: 57، 108، الأنبياء: 1-2
الأنعام: 19، الحج: 1، 5، 17، 49.
أنباء عن تاريخ وأنبياء بني إسرائيل وقصص تهمهم ولا تهم قريش
 
النازعات: 15 – 26 (موسى وفرعون)، الذاريات: 24 – 37 (إبراهيم وضيفه)، 38 – 40 (موسى وفرعون)، ص: 17 – 26، 30 – 49 (داوود وسليمان وآخرين)، الصافات: 83 – 148 (إبراهيم وآخرين)، الجاثية: 16 – 17 (من مواقف بني إسرائيل)، فصلت: 45 (من معاندتهم لدعوة موسى)، غافر: 53 (ثناء على كتاب موسى)، غاقر: 23 – 46 (موسى وفرعون وهامان وقارون وبني إسرائيل)، الزخرف: 26 – 28 (إبراهيم)، 46 – 65 موسى وفرعون، وعيسى ابن مريم)، مريم: 2 – 15 (زكريا ويحيا)، 16 – 35 (حمل مريم بعيسى وولادته)، 41 – 50 (إبراهيم وقومه)، 51 – 57 (ذكر موسى، هارون، إسماعيل، وإدريس)، الكهف: 9 – 26 (أهل الكهف)، 60 – 82 (موسى والفتى)، 83 – 99 (ذو القرنين)، سبأ: 10 – 14 (داوود)، 15 – 21 (سبأ)، الأعراف: 103 – 156، 160 – 177 (موسى وفرعون، ومواقف بني إسرائيل من موسى)، 157 (استخدام الأمي لوصف محمد أثناء مخاطبة بني إسرائيل)، 157 (دعوة صريحة لبني إسرائيل)، الحجر: 51 – 60، طه: 9 – 99 (موسى وفرعون وبني إسرائيل)، النمل: 7 – 14 (موسى)، 15 – 44 (داوود وسليمان وأهل سبأ)، 76 (القرآن يخبر بني إسرائيل عن حقائق تاريخهم، الأحقاف): 12 (ثناء على كتاب موسى)، فاطر: 31 (القرآن مصدق لما قبله ولايختلف عنه). لقمان: قصة لقمان: 12-13،16-19، الفرقان: 35-36 (موسى وفرعون)، المؤمنون: 49-52 (بنو إسرائيل عاندوا موسى) كما في (فصلت: 45)، السجدة: 23-25 مديح لمؤمني بني إسرائيل زمن موسى، يونس: 75 – 93 (موسى وفرعون وبني إسرائيل)، يونس: 94-95 (دين محمد موافق لدين موسى)، يوسف: 4 – 102 (قصة يوسف)،
بني إسرائيل: 1 – 8، 101-104 (التكليم ولمحات تاريخية)، الشورى: 13-14 (دين محمد وإبراهيم وموسى وعيسى واحد)، هود: 17 (دين محمد موافق لدين موسى)، هود: 96 – 99، الشعراء: 10 – 68 (موسى وفرعون وبني إسرائيل)، 69 – 104 (إبراهيم وقومه)، إبراهيم: 5 – 8 (موسى وقومه وفرعون)، 35 – 41 (إبراهيم وقومه)، الأنبياء: 24، 48-50 (الدين واحد)، الأنبياء: 51-73 (إبراهيم وقومه)، 79-91 (داوود وسليمان وآخرين)،  92 (كل دعوات الرسل واحدة)، 48-49 (مديح لرسالة موسى).
القصص: 1-45 (موسى وفرعون)، 76-82 (قارون)، النحل: 63-64 (القرى، يبين لأهل الكتاب كل ما لا يعرفوه أو اختلفوا فيه من دين وتاريخ)، 120-122 (إبراهيم لم يكن منهم)، 123 (الإسلام دينه).
الهجرة للحبشة
 
الزمر: 10
 
 
قريش تعرف مساكن بعض الأمم السابقين
 
الصافات: 137 – 138، طه: 128.
السجدة: 26، إبراهيم: 45.
الفرقان: 40، القصص: 58.
محمد قد يموت قبل أن يرى تفوق المسلمين على قريش
 
غافر: 77، الزخرف: 41 – 42.
المؤمنون: 93 - 96، يونس: 46، الأنبياء: 34 - 35.
الرعد: 40،
قريش تجادل الرسول لدحض الحق
 
 
الزخرف: 20 (لو شاء الله ما كفرنا)، 31 (لماذا محمد)، الكهف: 56، 103 – 106 (تظن أنها على حق)، الأعراف: 28 (لو شاء الله ما كفرنا)، 179 (كالأنعام).
 
 
الحج: 3، 9، 68 - 69.
المسلمون ضعفاء
 
 
مريم: 73 – 74، الأحقاف: 11.
 
المؤمنون: 109 - 111 (قريش تسخر منهم)،
الأنعام: 53.
المسلمون يشاركون في الدعوة
 
فصلت: 33، الأعراف: 193، فاطر: 14.
 
الحج: 72
محمد مجرد نذير وبشير
 
ص: 65 – 70، مريم: 97، الكهف: 2، الأعراف: 188، فاطر: 23 – 24، الأحقاف: 9، فصلت: 6 (محمد بشر)، النازعات: 42 – 45، الذاريات: 50 – 51.
بني إسرائيل: 105، هود: 1- 5،
الفرقان: 56،
تشريع
 
الأعراف: 29، 31، 33، (بداية وباختصار)
المؤمنون: 1 - 11، 57 - 61، المعارج: 22 - 35، بني إسرائيل: 22 - 39، الشورى: 36 - 43،
الفرقان: 63 - 76، النحل: 90 - 96، الرعد: 18 - 22، الأنعام: 151 - 153،
دفع الظلم
 
 
 
بني إسرائيل: 33، هود 112، الشورى 39-42، الشعراء 217-227.
 
النحل: 126.
قريش  تصد غيرها عن الإسلام
 
 
الزخرف: 37، لقمان: 6 – 7،الأعراف: 45.
 
إبراهيم: 2 – 3
 
 
النحل: 24 – 25، 88، الأنعام: 26، الحج: 9.
الهجرة
 
 
 
النحل: 41، العنكبوت: 56
البعض هاجر
 
 
 
العنكبوت: 56، النحل: 110، الحج: 40، 58.
البعض ارتد
 
 
 
النحل: 106 -- 109، الحج: 11، العنكبوت: 10 - 11 (البعض منافقين).
البعض صبر على الأذى ولم يهاجر
 
 
 
النحل: 42، 96، العنكبوت: 57 - 59، 69.

 

المرحلة الرابعة / استمرار الدعوة


وتمثلها 37 سورة، هي: الأعلى، العلق، القارعة، الزلزلة، الانفطار، الانشقاق، التكوير، الشمس، الليل، الطارق، الفجر، البلد، القيامة، النبأ، ق، الواقعة، الغاشية، الحاقة، المطففين، عبس، المرسلات، الجن، الفلق، الناس، الإنسان، الملك، يس، القدر، والرحمن، النجم، الهمزة ، ن والقلم، الطور، الضحى، الشرح،  نوح، والقمر.

المخاطب في سور هذه المجموعة هم قريش.

 

الجو العام قبيل نزول السور


بعد نزول سورة المدثر التي مثلت الإعلان الفعلي للدعوة، أصبح من الواضح لقريش أن محمداً جاد في دعوته ومستمر فيها، ولم تكن نزوة عابرة سرعان ما تخبو، كما ظنوا.

والدعوة الجديدة تقول أن عبادة الأصنام باطلة، وأن هناك حياة بعد الموت، وهناك عذاب وثواب. وتطلب من قريش أن يدفعوا من أموالهم لسد احتياجات الفقراء والمحتاجين دون مقابل، كما تطلب تغيير معتقداتهم ودين آبائهم. وهذا تسفيه لشخصية الأمة لن تقبله قريش من رجل في مقتبل العمر نشأ بينهم يتيماً لا شأن له ولا مال.

وسور هذه المرحلة بوجه عام تجيب على تساؤل قريش عن مكان ووقت البعث. وتقول لهم أن البعث سيكون بعد انهيار الكون، وذلك بتقديم صور حسية عن ذلك الانهيار.

ويمكن ملاحظة أن السور التي تبدأ بـ "إذا" كأنه سبقها سؤال: متى يكون البعث؟ وبدل أن تقول الآيات أن قريش سألت هذا السؤال تبدأ السور بالإجابة مباشرة.

ثم تضيف السور اللاحقة أن البعث يكون بعد انهيار هذا الكون حيث سينشأ كون جديد وهناك سيكون البعث. كما تؤكد أن هناك آلية في النفس تسجل كل ما يقوم به الإنسان منذ الولادة إلى الموت، وبناء على هذه الصحيفة سيكون الحساب. والسور تصور انهيار الكون وآلية تسجيل الأعمال بصور حسية معروفة لقريش لتقريبها في الذهن.

 

** الملاحظ أن كل الصور الحسية التي تصور عالم الجنة والنار موجهة للرجال دون النساء، لأن رجال قريش هم من يقف ضد انتشار الدعوة ولو آمنوا لآمنت النساء والمستضعفين.

لكن متى ما كان هناك امرأة تتصرف مثل الرجال في الصد عن الدين أو معاداته فالقرآن ينزل بالوعيد لها مثل الرجال، ومن ذلك:

تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نار صات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد

أما إذا كان الحديث في القرآن بعيداً عن الدعوة فهو دائما يقرر أن المرأة والرجل سيحاسبون بشكل متساو وسيكون لهم جنة متساوية : وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{72}براءة.

المرحلة الخامسة / مرحلة تغير المخاطب


وقد نزل فيها 31 سورة هي: ص، الصافات، النازعات، الذاريات، الأحقاف، الجاثية، فاطر، فصلت، الدخان، الزخرف، غافر، مريم، الإخلاص، الكهف، سبأ، الكافرون، لقمان، ، النمل، الحجر، طه، السجدة، المؤمنون، المعارج، الفرقان، الزمر، الأعراف، يونس، الشعراء، يوسف، الأنبياء، والكوثر.

 

وما جعلنا نعتبرها مرحلة مختلفة هو تغير المخاطب. فالسور الـ 46 سورة الماضية كانت تخاطب قريش فقط، وطوال السنوات التي نزلت فيها، بدأ وكأن محمداً رسول لقريش فقط، فليس فيها سورة واحدة تتوجه بالدعوة لكل الناس ولا لغير قريش.

وهذا ما يخالف ما ذكرته كتب السير من أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ذهب للطائف في بداية بعثته.

وسور هذه المرحلة هي التي بدأت توجه الدعوة لكل الناس.

وسورة ص هي أول سورة يذكر فيها أن دعوة محمد لكل الناس: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ{87}

وبتغير الخطاب تغيرت الأحداث في مكة. لأن السور بدأت تخاطب مستضعفي مكة (أو الأتباع والذين اتبعوا كما يسميهم القرآن) وتقول لهم أن يؤمنوا ولا يتبعوا كبرائهم ويخسروا الآخرة بعد خسارتهم للدنيا، كونهم أتباع وخدم وعبيد مضطهدين.

فآمن البعض منهم. وهذا ما جعل بعض كبراء قريش يجن جنونه لأن عبده ابق وأسلم. فبدأت المضايقات ترتفع وتيرتها ضد الرسول كونه السبب في إفساد العبيد على مواليهم. وعلى أتباعه من المسلمين. وبدأت التعديات الجسدية المحدودة تحدث من بعض رجال قريش على من أسلم من الموالي. وكانت تعديات محدودة لذا كانت السور تحث المسلمين على الصبر ومسامحة المعتدين من قريش لئلا تؤجج مشاعر قريش أكثر. وهي تعديات موجهة ضد الموالي والعبيد الذين اسلموا. ولم يتلق الرسول أو أي قرشي بالنسب أي أذى جسدي على الإطلاق لا في هذه المرحلة ولا في مرحة قادمة طوال فترة الدعوة في مكة. لأن قريشاً احترمت حرمة البيت وعدم التعرض لساكنيه. لكن البعض منهم تجرأ على المستضعفين والعبيد لأنه ينظر لهم كدرجة ثانية من البشر والتعدي عليهم ليس تعد على حرمة بيت الله (هكذا كان التبرير)

ومن السور التي ذكرت الصبر على أذى قريش:

قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ{14} الجاثية

ومثلها: غافر: 55 (اصبر)، الزخرف: 89، الأعراف: 199 – 201، الحجر: 85،

كما أمر الرسول بالصبر وعدم الرد على السخرية: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{35} وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{36} فصلت

وكذلك الأحقاف: 35  وغيرها.

تغير الخطاب في هذه المرحلة جعل السور تخاطب بني إسرائيل. أما كيف فعلت هذا فلم تبدأ بدعوتهم مباشرة للدخول في الدين بل بدأت السور بالحديث عن قصص من تاريخهم زمن موسى وعن داوود وسليمان ورجال يعرفونهم مثل أصحاب الكهف ولقمان ...الى غير ذلك.

فلما سمع بنو إسرائيل في يثرب أن محمد يتكلم عن تاريخهم حضروا لسماع ما يقول. فآمن نفر منهم وكان هذا فتح عظيم للإسلام ظهرت نتائجه فيما بعد.

فعلى أيديهم تم نشر الإسلام في يثرب وآمن غالبية الأوس والخزرج. وهو ما يخالف ما تقول كتب السير التي تقول أن أول من آمن من يثرب هم مجموعة من الأوس والخزرج. والقرآن لا يذكر ذلك على الإطلاق ولكنه يؤكد عدة مرات أن من آمن كانوا من بني إسرائيل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الأحقاف10

وتكاد لا تخلوا سورة من سور هذه المرحلة من ذكر خبر عن تاريخ بني إسرائيل بدء بأول سورة نزلت ص : اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ{17} إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ{18} وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ{19} وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ{20}.

** في هذه المرحلة حدثت  الهجرة للحبشة للمستضعفين هربا من الأذى. وسورة الزمر تحثهم على الهجرة: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }الزمر10

ثم تغيرت الأحداث في مكة

المرحلة السادسة / دفع الظلم


والتي نزل فيها أربع سور هي: الشورى، بني إسرائيل، الشعراء، وهود.

في هذه المرحلة تحولت التعديات الجسدية المحدودة ضد المستضعفين إلى تعديات جسيمة قتل بسببها واحد أو أكثر من المسلمين، كما تخبرنا سورة بني إسرائيل: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً{33}

فنزلت السور تعطي المسلمين الحق بدفع الظلم. ودفع الظلم يعني معاقبة المعتدي بمثل ما اعتدى دون تجاوز: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ{39} وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{40} وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ{41} إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ{42} وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{43} الشورى

والشعراء مثل سورة الشورى تفرض حق دفع الظلم كواجب على المظلوم: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ{227} الشعراء.

مثل هذه الآيات تقول لنا أن أحاديث ولو جلد ظهرك وأخذ مالك لا أساس لها في دين الله. وأن الصبر على الظلم معصية لله.

إذا أهم مظهر لهذه المرحلة هو التعديات الجسدية على المسلمين ورد المسلمين عليهم بالمثل.

هذا بكل تأكيد أثار حفيظة قريش أكثر وجعل من كان مترددا منهم في المشاركة في التعدي على المسلمين محافظة على حرمة البيت يجد المبرر للمشاركة.

فاشتدت التعديات الجسدية إلى أقسى درجات التعذيب وصلت لإضرام النيران وحرق أجساد المستضعفين الذين لم يقبلوا بالردة عن الإسلام.

المرحلة السابعة والأخيرة في مكة / التعذيب بالنار والهجرة


والتي نزل فيها ثمان سور هي: الأنعام، العنكبوت، البروج، المسد، النحل، القصص، الرعد، والحج. "8"

وأهم ملامحها تطور التعذيب الذي يتعرض له المستضعفين منذ المرحلة السابقة. ففي هذه المرحلة تحول كبراء قريش لتعذيب المستضعفن بالنار، وتبدأ سورة العنكبوت بالحديث عن ذلك

الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{3} أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ{4} مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{5} وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{6} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ{7} العنكبوت

وتواصل السورة في نفس المسار: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ{10} وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ{11} وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{12} وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ{13}

وصور الحرق بالنار بينته لنا سور هذه المرحلة

فسورة البروج تقول أن هناك بعض كبراء قريش يقومون بحفر الأخاديد في الأرض وملئها بالحطب ثم اضرام النار فيها لحرق أجساد المسلمين:

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ{1} وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ{2} وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ{3} قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ{4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ{5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ{6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ{7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{9} إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ{10}

وسورة المسد تقول أن أبا لهب هو من أكثر النشطاء لحرق المسلمين. وامرأته كانت من أنشط الأشخاص في جمع الحطب وإحضاره:

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ{1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ{2} سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ{3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ{4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ{5}.

فجيدها الذي حمل الحطب سيحرق في جهنم.

ومن أهم ملامح هذه المرحلة الأمر والحث على الهجرة للنجاة بالأرواح والدين:

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{56} سورة العنكبوت

ومثلها في سورة الحج: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ{41}.

وفي الآية 58 تقول السورة: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{58}.

وذكرت سورة النحل الهجرة: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{110}.

ومن ملامح هذه المرحة أن بعض من تعرض للتعذيب قد ارتد:

من كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{106} النحل.

وفي نفس السياق تقول سورة الحج: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{11} يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ{12} يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ{13} الحج.

والبعض عذب لكنه صبر: مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{96} النحل.

والبعض أعلن الكفر بلسانه وهو مؤمن بقلبه: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{106}النحل.

 

هكذا كان توزيع المراحل في الفترة المكية.

 

تصنيف السور المدنية إلى مراحل


القرآن بدأ النزول في مكة بالفاتحة وتلا ذلك بقية سور المرحلة الأولى التي تذكر قريش ببعض نعم الله عليهم لتهيئتهم لقبول دينه، مثل الفيل وقريش، وسور أخرى تؤكد أن هناك بعث وحساب، وهو ما تنكره قريش. ولم يصاحب هذه السور وعيد ولا تهديد، وإنما كانت سور تعريفية تهيئ الناس لتلقي الدعوة.

وعندما هاجر رسول الله للمدينة لم تكن السور الأولى التي نزلت عليه، تتحدث عن الخالق أو البعث والنشور، لأن بني إسرائيل يعرفون الله ويؤمنون بيوم القيامة. ولم تنزل السور الأولى في المدينة لتعرف أهلها بالرسول القادم إليهم من مكة، لأن الأخبار تواترت عنه، وعن مبعثه. كما أن هناك بعض بني إسرائيل والأوس والخزرج قد رأوه وآمنوا به، قبل هجرته، وهم من دعاه للقدوم ليثرب. لذا فالسور المدنية الأولى إما أن تتوجه بخطاب لأهل يثرب، ، تدعوهم للدخول في الإسلام . وبالذات بني إسرائيل منهم، لأنهم كبراء البلد وأغنيائها. أو أن تناقش الأوضاع والأحداث المصاحبة للهجرة والاستقرار في الموطن الجديد. وبناءً على ذلك يمكن التعرف على أي السور نزل أولاً في المدينة.

والذي رسخه الموروث لدى الناس أن سورة البقرة أول ما نزل في المدينة، وقد يكون السبب لأنها تتوجه لبني إسرائيل بخطاب طويل (الآيات 39-141) تذكرهم فيه بتفاصيل دقيقة عن تاريخهم طواها النسيان وغيبتها آلاف السنين التي مرت منذ عصر موسى، كدليل لا يقبل الشك بأن محمداً رسول لله. كما أنه خطابٌ يُعرف ويُقدم محمداً لبني إسرائيل في يثرب، مثلما كانت الفاتحة والأعلى وقريش والفيل والتكوير وبقية سور المرحلة الأولى في مكة خطابات تعريف للرسول ولقريش بأن محمداً أصبح رسولاً لله.

لكن سورة البقرة تتناول مواضيع عديدة أخرى تدل على أنها لم تنزل مباشرة بعد هجرة الرسول، ومن ذلك أنه من المستبعد أن يكون أول ما يشغل المسلمين في المدينة هو السؤال عن الأهلة (الآية 189)، وهم لازالوا لم يستقروا بعد. أو أن يستقبلهم الرسول بتشريعات عن المحيض والإيلاء والطلاق والنفقة والرضاعة وعدة المتوفى عنها زوجها .. (الآيات 222-241)، وهو للتو وطئت قدماه يثرب.

ولن يكون من أولويات الرسول أن يتعرف بالمنافقين (الآيات 8-20، 204-206) وهو لم يستقر في مسكنه الجديد إلا قبل أيام. ومواضيع أخرى تتحدث عنها البقرة، توحي بأنها نزلت بعد فترة من الهجرة ولم تكن أول ما نزل في المدينة.

وقد أمكن تقسيم السور المدنية[1]، على ثمان مراحل، مرت بها الدعوة هناك، بناءً على تتابع الأحداث. فالمرحلة الأولى بدأت بهجرة الرسول وانتهت بنزول آيات الأمر بالقتال. تلتها مرحلة ثانية، بدأت بالأمر بالقتال وانتهت قبل وقوع معركة بدر. والمرحلة الثالثة للفترة الواقعة بين بدر ومعركة أحد. تلتها المرحلة الرابعة للفترة التي بين معركة أحد وحادثة الأحزاب. ثم مرحلة خامسة تعنى بالفترة التي بين الأحزاب وحتى ما قبل فتح مكة. ثم مرحلة سادسة، تتحدث عن فترة فتح مكة. والمرحلة السابعة، تتناول ما حدث بعد فتح مكة. ثم المرحلة الثامنة والأخيرة، تتحدث عن نهاية الدعوة.

وفيما يلي استعراض لهذه المراحل وسورها وأهم الملامح التي تميز كل مرحلة:

مرحلة التوطن والاستقرار


وهي تلك الفترة التي تلت وصول رسول الله إلى المدينة، مهاجراً، واستقراره. وهذه المرحلة لا ذكر فيها لقتال المشركين، لأنه لم يفرض على المسلمين بعد. وقد نزل في هذه المرحلة أربع سور، نوردها فيما يلي مع ذكر الحد الأدنى من الملامح بما يكفي للتأكد من ترتيبها، دون استرسال:

الممتحنة


يمكن الجزم أن الممتحنة أول سورة نزلت في المدينة، وفي الأيام الأولى لهجرة الرسول. وقبل الاحتكاك المباشر مع بني إسرائيل أو الاستعداد لحرب قريش، وذلك بناءً على ما تتحدث عنه آياتها وما تعالجه من مواضيع.

حيث تبدأ السورة بنهي بعض المسلمين المهاجرين عن إبقاء صلات ود مع أقاربهم المشركين الذين للتو أجبروا الرسول والمسلمين على ترك مكة. الآيات: 1 – 9.

وبقية الآيات: 10 – 13، تتحدث عن وصول مجموعة من نساء مكة كمهاجرات، وشك بعض المسلمين بصدقهن، فجاءت الآيات تطلب من المسلمين امتحان إيمانهن، فإن كن مؤمنات بالفعل، فيجب أن يبقين بين المسلمين ولا يجوز إعادتهن للكفار. وتوجب الآيات انفصال أي مسلم أو مسلمة بزوجه من المشركين، وسن قوانين تضمن إعادة ما تم دفعه من صداق.

الحجرات


تخبرنا عن التصرفات الرعناء البعيدة عن التهذيب التي تفاجأ بها الرسول من جموع الأعراب الذين سارعوا للقائه في الأيام الأولى لوصوله المدينة. وكيف كانوا يتدافعون في مجلسه ويتسابقون على أماكن الجلوس بطريقة فجة، ويتحدثون بشكل جماعي رافعين أصواتهم. وإذا ما كان الرسول في حجرته وقت الراحة، كانوا لا يتورعون عن إزعاجه ويصرخون بمناداته  بأصواتهم العالية. الآيات: 1 – 5.

المجادلة


وفيها تواصل الآيات: 11 - 13 النهي عن السلوكيات الفجة في مجلس الرسول والحديث معه والتي ذكرت في الحجرات. ولعلها أول سورة مدنية تتحدث عن المنافقين: 5 – 10، 14 – 22.

الجمعة


من أوائل السور المدنية التي تخاطب بني إسرائيل في يثرب، الذين يسمون غيرهم من الأمم بما فيهم بني إسماعيل، بالأميين: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{4}.

ثم تذكر السورة أن بني إسرائيل تخاذلوا عن حمل أمانة وشرف هداية الناس لدين الله: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{5} قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{7}.

وهو ما يدل على أن بني إسرائيل قد أعلنوا إعراضهم عن دعوة الرسول منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها محمد للمدينة. 

وذكر الأميين في القرآن ورد في سورة مدنية أخرى، هي آل عمران، التي نزلت بعد غزوة بدر ، في الآية 75.

وسورة الأعراف المكية: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{157} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {158}.

وهي سورة نزلت بعد أن تحولت السور لمخاطبة كل الناس ومنهم بني إسرائيل. فتكون السور الثلاث، الأعراف، آل عمران، والجمعة، ذكرت الأميين لأنها تخاطب بني إسرائيل الذين يطلقون على غيرهم هذا اللقب. وهذا الخطاب لبني إسرائيل قبل أن يحدث بين المسلمين وبني إسرائيل مصادمات بسبب خيانتهم لمواثيقهم مع المسلمين والتآمر مع أعدائهم عليهم.

ودليل آخر على أن الجمعة نزلت في بداية الهجرة أنها تتحدث عن ترك بعض المسلمين الصلاة مع الرسول في يوم جمعة، والتسابق لاستقبال قافلة تجارية وصلت للتو، الآيات: 8 – 11. وهذا لابد أنه حدث قبل أن يعي المسلمون الجدد من يثرب أهمية الصلاة وتقديمها على منافع الدنيا.

مرحلة فرض القتال والاستعداد لحرب قريش


وهي تلك الفترة الواقعة بين فرض قتال المشركين وبين غزوة بدر، وعدد سورها ست سور، إضافة لآخر آية في سورة المزمل. ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلىفترتين، كما يلي:

الفترة الأولى / فترة التشريع


فبعد أن توطن الرسول والمهاجرون في المدينة وأصبح لهم دولة تضمهم مع إخوانهم المهاجرين، نزلت ثلاث سور متتالية تفرض التشريعات واكتمل بها الدين، وهي: البقرة، النساء، والمائدة.

البقرة


وهي أطول سور القرآن وأول سور فرض التشريعات، والإجابة على تساؤلات المسلمين. لذا تردد لفظ "يسألونك" في الآيات: 189، 215، 217، 219، 220، 222، 273. إضافة لفرض تشريعات كانت ستفرض سواءً سأل عنها الناس أو لم يسألوا مثل الصيام والقتال وغيرها.

والبقرة أول سورة تتحدث عن الإنفاق في سبيل الله، وتجهيز الجيش والصرف على نفقات الحرب في الآيات: 195، 215، 245، 261 – 274، 286.

النساء


السورة الثانية من ثلاث سور فرض التشريعات، وهي تكمل ما ورد في البقرة.

آخر آية من سورة المزمل


نزلت في هذه المرحلة لأنها تخبر الرسول أن الله قد أعفاه من قيام الليل لتلاوة القرآن، الذي أمرته به السورة في بدايتها عندما نزلت عليه في مكة، لكي يكون مستعداً لما سيتعرض له من أذى نفسي أثناء الدعوة. والإعفاء جاء لأن الإسلام أصبح له دولة، ولم يعد الرسول صلوات الله عليه والمسلمون مضطهدين، يواجهون جبروت قريش. كما أن عليه وعلى المسلمين اليوم التحضير للقتال والسعي لكسب العيش ومتطلبات الحياة، ولن يكون هذا ممكنا لو أحيوا الليل أو جزء منه، في تلاوة القرآن الذي يمكنهم قراءة ما تيسر منه في أي وقت متاح: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{20}.

المائدة


اكتملت بنزولها تشرعات الدين: اليوم اكملت لكم دينكم. وباكتمال تشريعات الدين نهت السورة من أن يسأل الناس الرسول عن حكم ما لم ينزل في القرآن حكم له: اليوم أكملت لكم دينكم.

وكل ما لم يرد له حكم في القرآن فليس من الدين، من شاء فعله ومن شاء امتنع. وهذا يلغي كل ما حكم به رجال الدين بعد الرسول بأي حكم أو تحريم ليس في القرآن.

الفترة الثانية / الاستعداد للحرب والحث على الإنفاق في سبيل الله


ونزل فيها ثلاث سور، هي: الماعون، محمد، والصف.

الماعون


سورة قصيرة تتوعد المنافقين الذين توعدتهم سورة النساء في العديد من الآيات، منها: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{138}.

محمد


السورة تشرع بعض ضوابط القتال، وتسن قوانين الأسرى في الآيات: 4 – 9، ليعمل بها المسلمون في حروبهم المرتقبة. وتبين الآيات: 20 – 23، ردة فعل بعض المسلمين بعد فرض القتال. وتقول الآيات: 25 – 31 أن هناك بعض المسلمين ارتد بعد فرض الجهاد.

وتخبرنا السورة أنه قد انقسم المسلمون لفريقين حيال القتال، فريق أعلن استعداده للخروج، والفريق الآخر كان لا يرغب في القتال، ويدعوا لعدم الخروج، الآيات: 33 – 37. كما تخبرنا الآية 38 أن بعض المسلمين أنفق لتجهيز الجيش ومصاريف القتال، والبعض الآخر امتنع عن الإنفاق. كل هذه الأحداث سبقت بالتأكيد غزوة بدر، التي كانت أول معركة في الإسلام.

الصف


هذه السورة استمرار للحديث عن مواقف المسلمين من الخروج للقتال والإنفاق على تكاليف الحرب التي ذكرتها سورة محمد السابقة، وفي الآيات 1 – 4 حث للمسلمين على ألا يتخاذلوا عن القتال وأن يقاتلوا كالبنيان المرصوص الذي لا يتزعزع.

والآيات: 10 – 14 تقول للمسلمين أن التجارة الرابحة ليست التي يمارسونها في السوق، ولكنها الخروج للقتال في سبيل الله وحماية دولة الإسلام والدفاع عن الدين، والإنفاق على تجهيز الجيش.

وهذه الآيات تشير إلى ما حدث من خروج بعض المسلمين من المسجد أثناء الصلاة الذي حدثتنا عنه سورة الجمعة السابقة.

مرحلة ما بعد غزوة بدر


نزل في هذه المرحلة أربع سور، نورد أهم ملامحها باختصار كما يلي:

الأنفال


أول سورة تخبرنا عما حدث في بدر بتفاصيل وافية، وهي أول سورة نزلت في هذه الفترة.

الحديد


التي ورد فيها: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ{7} وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{8} هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{9} وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{10} مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ{11} يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{12}.

وهذه الآيات تحث المسلمين على الاستمرار في الإنفاق على تجهيز جيش المسلمين لأن الحرب مع المشركين مستمرة، وسيكون هناك معارك أخرى. وبما أن بعض المسلمين امتنعوا عن الإنفاق في سبيل الله قبل غزوة بدر - كما تخبرنا الآية 38 من سورة محمد – فإن هذه الآيات تقول أن من أنفق قبل الفتح، أي معركة بدر، له أجر أعظم عند الله ممن لم ينفق. وتدعوا من لم ينفق للإنفاق مستقبلاً[2].

 التغابن


 نزلت مباشرة بعد الحديد بدليل أن آيات هذه السورة، تكرار لما ورد في السورة السابقة، وتأكيد لها، ومن ذلك:

ورد في سورة الحديد حديث عن قتلى المسلمين في بدر وخسائر مادية: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{11} وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{12} اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{13}.

وهو ما تكرر في سورة التغابن: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{22} لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{23} الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{24}.

كما ورد في سورة الحديد حث على جعل الإنفاق في سبيل الله مقدم على كل مباهج الحياة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{14} إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ{15} فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{16} إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ{17} عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{18}.

وهذا ما ورد في سورة التغابن: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{20}.

الطلاق


هذه السورة تكمل الحديث عن الطلاق الذي ذكر بداية في الآيات: 228 – 232 من سورة البقرة. وهي سورة من ثلاث سور مدنية لا تخبرنا عن أي حدث أو واقعة، يمكن أن نتعرف بواسطتها على وقت نزولها. لذا فهناك احتمال أن تكون نزلت في المرحلة السابقة أو في هذه المرحلة.

مرحلة ما بعد أحد


عدد سورها ثلاث، هي:

آل عمران


سورة تتحدث آياتها: 56 – 186 بالتفصيل عما حدث في غزوة أحد.

التحريم


نزلت قبل سورة الأحزاب، لأنها تتحدث عن مشاكل عائلية للرسول مع زوجاته، في الآيات: 1 – 5. وتقول الآيات أنه إن حدث ما يوجب الطلاق فسيبدله الله زوجات خيراً منهن: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً{5}.

بينما حرم على الرسول أن يطلق أحداً من أزواجه أو يتزوج بغيرهن في سورة الأحزاب: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً{52}.

البينة


من السور التي تتوعد من لم يؤمن برسالة محمد من المشركين ومن أهل الكتاب، مما يعني أنها نزلت بعد أن أعلن أهل الكتاب في يثرب رفضهم دعوة محمد، وهو ما أشارت له سور سابقة بدأت بالآية 5 من سورة الجمعة، التي وصفتهم بالحمار الذي يحمل الأسفار ولا يستفيد مما على ظهره.

مرحلة ما بعد غزوة الأحزاب وقبل فتح مكة


وقد نزل في هذه المرحلة ثلاث سور هي:

الأحزاب


وهي تخبرنا في الآيات: 9 – 27 عما حدث في غزوة الأحزاب، وتفضح تعاون بني إسرائيل مع أعداء المسلمين الغزاة.

النور


نزلت بعد سورة الأحزاب لأنها تبدأ الحديث عن تصرفات لا أخلاقية ضد نساء المسلمين صدرت من بعض المنافقين في المدينة، والذي لابد أنه حدث أثناء تغيب رجال المسلمين خارجها لحفر الخندق، وهي المناسبة الوحيدة التي مرت على المسلمين وأوجبت خروج كل الرجال من المدينة. إذ أنه أثناء خروج المسلمين لغزوتي بدر وأحد، بقي مجموعة منهم في المدينة. 

المنافقون


نزلت في هذه المرحلة، لأنها تنقل لنا أن المنافقين كانوا يخططون لإخراج المسلمين بعد الرجوع للمدينة. ولم يخرج كل رجال المسلمين من المدينة إلا عندما كانوا يحفرون الخندق، كما سبق وذكرنا: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ{8}.

مرحلة فتح مكة


وعدد سورها اثنتان، هما:

الفتح


التي تخبرنا بتفاصيل ما حدث للرسول والمسلمين منذ خرجوا من المدينة وحتى فتحت مكة.

الروم


تتحدث عن هزيمة المسلمين ضد الروم، والمعركة الوحيدة التي التقى فيها المسلمون بالروم في وقت الرسول هي معركة مؤتة، التي انهزم فيها المسلمون ضد الغساسنة.


مرحلة قلاقل ما بعد فتح مكة


ونزل فيها سورتان، هما:

براءة


سورة تظهر أن هناك قلاقل وخيانات حدثت من مشركي مكة بعد الفتح، وعاونهم على ذلك بعض بني إسرائيل وبعض القبائل وآخرين. وأن الله قد أمهل قريش أربعة اشهر ليعودوا إلى حظيرة دولة الإسلام، وإلا سيطاردون في كل مكان وسيضيق عليهم بكل السبل، وسيقتلون أينما وجدوا. ولكي يعلم القاصي والداني أن قريش هي من نكث العهد مع المسلمين أمرت السورة الرسول أن يعلن ذلك على الملاْ يوم الوقوف في عرفة.

الحشر


 تتحدث عن جلاء أحد قبائل بني إسرائيل من يثرب دون أن يهاجمهم المسلمون، لأنهم استبقوا الأحداث وعرضوا على المسلمين أن يتركوا ديارهم ومزارعهم وأملاكهم مقابل أن يسلموا على أنفسهم وما يستطيعون حمله من متاع، وقد وافق الرسول والمسلمون على ذلك. وسبب عرضهم هذا أنهم علموا أن المسلمين قد عرفوا بخيانتهم وتعاونهم مع أعدائهم.

مرحلة نهاية الدعوة


ونزلت فيها سورة قصيرة واحدة، هي:

النصر


وبرغم أن عدد آياتها ثلاث آيات فقط، إلا أنها تظهر كيف تتابع الناس للانضواء تحت حكم دولة الإسلام، التي أصبحت قوة مهيبة.

 

وفي الختام يمكن لنا أن نقول أن قراءة القرآن لو تمت بموجب المفاهيم التي قدمنا في هذا الكتيب فإن القارئ سيتعرف على كل سورة كما نزلت وحسب الظروف المحيطة بنزولها. وسيفهم القرآن كما يجب أن يفهم دون الحاجة لتفسير قال به رجل دين قديم، أو تأويل لرجل دين يعيش بيننا. ونكون قد تجاوزنا كل العراقيل التي وضعها رجال الدين بين المرء وربه، ولم يعد بيننا وبين الله حجاب.

والسلام عليكم

 

 

 





[1]  السور المدنية هي السور التي نزلت بعد هجرة الرسول للمدينة، ولا تعني بالضرورة أنها نزلت داخل حدود المدينة.


[2]  الفتح هنا يقصد به غزوة بدر، لأنها نصر وفتح عظيم للمسلمين، ونقطة تحول هامة في مسيرة الإسلام.