بداية الصيام ونهايته
.... وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ.... {187} البقرة.
الصيام بمعنى الامتناع عن الأكل والشرب يكون لأيام رمضان. لكن الآية تحدد بدايته بتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر. والفجر يكون في آخر الليل وليس بداية النهار. على اعتبار أن النهار والليل تحددهما الشمس. فالنهار يبدأ من اللحظة التي تبزغ فيها الشمس، وينتهي باختفاء كامل قرص الشمس تحت خط الأفق بالنسبة للناظر. بينما يبدأ الليل بنهاية النهار وينتهي ببداية النهار.
ولو أن الاية قالت كلوا واشربوا في أيام رمضان لوجب التوقف عن الأكل والشرب مع بزوغ الشمس ويحل الأكل والشرب مع غروبها. لكن الآية تحدد بدء الصيام – ليس ببداية اليوم – بل ببزوغ الفجر. والفجر ظاهرة تحدد بدقة بدء انبلاج النور وليس بدء النهار.
فالصوم يكون طوال النهار إضافة للوقت الفاصل بين بدء ظهور الفجر وشروق الشمس.
فيكون معنى "تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" تبين انبلاج أول خطوط الفجر في صفحة السماء باتجاه المشرق.
لكن هناك من قال بأن معنى الآية قد يكون حرفياً، بمعنى أن نحضر خيط ابيض وأسود ومتى ما استطعنا رؤية الخيط ألبيض والخيط الأسود يبدأ الصوم.
وهذا الكلام لا يمكن أن يكون قد أشكل على الناس زمن الرسول ولم يسألوا الرسول عنه، خاصة أن المسلمين زمن الرسول صاموا عشر رمضانات. ولو أشكل عليهم فسيكون في السنة الأولى وسيسارعون للرسول طلباً للتوضيح، ولو فعلوا لنزل القرآن بما يزيل الإشكال.
ولكن يبدوا أن هذا الإشكال حدث في عصور الإشكال والتشكيك وظهور المعتقدات المختلفة والفرق والمذاهب وفي مناطق أهلها ليسوا معتادين على عبارات القرآن وأساليبه كما كان الناس في مكة والمدينة في عصر رسول الله، وهم من خاطب القرآن بما يفهمون، وقد فهموه ولم يكن هناك سوء فهم.
وتبين خيط أبيض من خيط آخر أسود عبث، بينما تبين شعاع الفجر في الأفق ظاهرة تتناسب مع تشريع الصومالذي يعتمد الليل والنهار والفجر لتحديد أوقات الصوم ولا علاقة للخيوط والأقمشة في ذلك.
ولو كان تبين خيط أبيض من أسود هو المقصود لكان للرسول ولكل صحابي ولكل بيت مسلم خيط أبيض واسود لرمضان ولأصبحت خيوط رمضان ملازمة للمسلمين كما يلازم حجر السجود أتباع المذهب الشيعي أينما حلوا.
وقت الإفطار
تقول الآية: " ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ".
إلى الليل بكل بساطة ووضوح تعني حتى يبدأ الليل وينتهي النهار. والنهار ينتهي – كما سلف – بغياب كامل استدارة قرص الشمس في الأفق.
ولو كان المقصود بها إلى غياب الشفق (النور في سماء المغيب) الذي يتبع غياب الشمس، لبينه القرآن، كما بينه عند الحديث عن صلاة المغرب بقوله: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ...{78}بني إسرائيل.
وآية البقرة تقول: " ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ"، ولم تقل: "ثم أتموا الصيام إلى غسق الليل.
ونختم بالتذكير بأن الصيام يعني تحريم الأكل والشرب أثناء فترة الصيام (من بزوغ الفجر إلى غياب الشمس) وبعد غروب الشمس فليس هناك صوم. ولو امتنع شخص عن الأكل بعد غياب الشمس إلى منتصف الليل – مثلاً – فهو مفطر منذ غربت الشمس، لكنه لم يأكل.
فالإفطار يكون حكماً، بحيث يعتبر الصائم مفطراً بعد غروب الشمس ولو لم يتناول شيئاً. لأن الإفطار يعني أن الأكل والشرب مباح، ولا عني أن على الصائم أن يكسر صيامه بأكل أو شرب وإلا بقي صائماً في الليل.
لكن شاع بين المسلمين أن على المفطر أن يكسر صيامه لئلا يستمر صائماً، واختلقوا أحاديث منسوبة للرسول تحرم ما أسموه بمواصلة الصوم. ويعنون به امتناع المرء عن الأكل والشرب أثناء ليل رمضان حتى يبزغ الفجر ويبدا صوم اليوم التالي. كما اختلقوا أحاديث تحث وتحبب وتعطي أفضلية وأجر وثواب لمن يسارع بكسر صيامه حال غروب الشمس.
وكل هذا نتيجة لجهل من أشاع هذا المعتقد بأن الإفطار يكون حكماً ولو لم يأكل المرء. يعني يحل للمرء الأكل والشرب بعد غروب شمس نهار رمضان. ومن لم يأكل فهو مفطر لأنه يستطيع الأكل ولا شيء عليه لكنه هو امتنع عن مباح.
لذا ليس على الناس التسابق المحموم على وضع التمر في أفواههم بمجرد سماع صوت الأذان، وليس على بعض الأئمة وضع التمرة في فمه قبل أن يؤذن أو حال الأذان لأنه ليس هناك أجر للإسراع بالفطور. وليس هناك أجر لمن يفطر بتمر يزيد على من يفطر بخبز أو أي نوع آخر من االطعام والشراب.
وليس هناك أجر لمن يؤخر السحور كما يقول حديث مختلق منسوب للرسول يحث على تأخير السحور بحيث يكون آخر لقمة أو جرعة ماء مع أذان الفجر الذي اتخذ كعلامة على بزوغ الفجر وبدء الصيام في بلاد الحرمين وبعض البلاد العربية.
فالصيام – مرة أخرى – يعني تحريم الأكل والشرب من بزوغ الفجر لغروب الشمس.
والإفطار يعني إباحة الأكل والشرب من غروب الشمس حتى بزوغ الفجر. فمن شاء فليأكل ويشرب أثناء هذا الوقت، ومن شاء فليمتنع لكنه مفطر حكماً في كلا الحالين.
وإلى لقاء آخر بعون الله
ليست هناك تعليقات:
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.