دخول الشهر
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{183} أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{184} شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{185} البقرة.
وتكمل السورة تشريع الصيام بالقول: .... وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ.... {187} البقرة.
وقد أثير لغط كثير حول هذه الآيات، مع أنها واضحة الدلالة وتقول بأسلوبنا: كتب عليكم صيام أيام شهر رمضان لمن يشهد منكم الشهر، على أن يبدأ الصيام مع بزوغ الفجر وينتهي بنهاية النهار.
ومما أثير النقاط التالية:
((1)) كيف يتم التأكد من دخول الشهر؟
((2)) هل يتوقف الصائم عن الأكل بانبلاج أول خيوط الفجر في السماء، أو عند تمييز خيط أبيض من خيط أسود حرفياً؟
((3)) وهل يفطر الصائم بمجرد غروب الشمس أم ينتظر حتى يغيب الشفق؟
وهذا اللغط ظهر في عصر اختلاق القصص بعد رسول الله، وفي بلاد لا تعرف التقويم القمري ومعتادة على التقويم الشمسي، مثل بلاد الشام وبعد الفتوح. ولو حدث في عصره عليه الصلاة والسلام لجاءت الإجابة في القرآن. فكل ما يكون فيه سوء فهم أو عدم وضوح للمعنى عند بعض المسلمين زمن الرسول، يعودون لسؤال الرسول عنه وينزل القرآن بتوضيحه. وهذا مثال على ذلك:
نزل تحريم الميتة مع مآكل أخرى في سورة النحل المكية: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{115}.
وبعد الهجرة جاء البعض وسأل الرسول عما يحرم من المأكل فجاء الجواب في سورة البقرة: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{173}.
وهو تكرار حرفي لما ورد في سورة النحل.
ويبدوا أن البعض تساءل عما يدخل في مصطلح "الميتة" وسأل الرسول عن ذلك، فنزلت سورة المائدة تحمل الجواب التفصيلي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{3}.
وهذا ما يؤكد أن التساؤلات السابقة حول بدء الشهر وبدء الصوم والإفطار كان في أزمنة لاحقة وبعد عصر الرسول، ولو كان زمن الرسول لنزل بتفاصيله القرآن.
وسنتحدث اليوم عن النقطة الأولى:
((1)) التأكد من دخول الشهر
والذين يعتمدون رؤية الهلال بالعين المجردة يعتمدون على حديث منسوب للرسول يقول: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (أي الهلال).
وهذا الحديث يستحيل أن يكون رسول الله قاله، لأسباب منها:
** أن تحديد بدء الأشهر القمرية كان معروفاً للناس قبل وأثناء زمن الرسول في جزيرة العرب ومنذ القدم ولابد أن لديهم أساليب لمعرفة بدء الأشهر القمرية أكثر عملية من ترائي الهلال.
** لو أن الحديث المنسوب للرسول صحيح فهذا يعني أن الناس سألوا الرسول عن كيفية تحديد بدء شهر رمضان. ولو سألوا الرسول فلن يأتيهم الجواب من الرسول نفسه كحديث، ولكن سينزل به القرآن كما نزل تفصيل المقصود بالميتة. وبما أن القرآن يخلوا من ذكر رؤية الهلال فهو تأكيد على أن الناس لم يشكل عليهم أبداً تحديد شهر رمضان زمن الرسول.
** أن الشهر القمري يبدأ بظهور الهلال، ولن يقول الرسول للناس: صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته لأنه لو قال ذلك فكأنه يقرر ما هو مقرر ومعروف أصلاً ولا يحتاج للتذكير به أناس اعتادوا التعامل بالأشهر القمرية. لكن لو كان الإشكال حدث لأناس لا يعرفون الأشهر القمرية ويتعاملون بالأشهر الشمسية المناسبة لطبيعتهم الزراعية فسيتساءلون عن كيفية التأكد من دخول شهر رمضان. وهذا سيكون في البلاد المفتوحة مثل الشام ومصر والعراق وليس في المدينة زمن الرسول.
** أن الصوم – بنص الآية – يكون لأيام شهر رمضان، وليس للأيام التي يستطيع الناس رؤية هلال الشهر، ولو تأخرت الرؤية لليوم الثاني أو الثالث من الشهر. كما أن الصوم ينتهي بنهاية شهر رمضان وليس برؤية هلال شهر شوال ولو تأخر يوم أو يومين.
** أن اعتماد رؤية الهلال لبدء الصوم مخالف للآية. فالآية تقول الصوم لشهر رمضان وليس لرؤية الهلال، أما رؤية الهلال فيقول أن الصوم لرؤية الهلال وليس لشهر رمضان وهذا يعني صوم أيام من شهر شوال أو شعبان وإفطار أيام من رمضان، ومع ذلك يعتبر الصوم صحيح.
وكل الشهور القمرية تبدأ بظهور الهلال، الذي لم يكن يواجه الناس في جزيرة العرب مشكلة في معرفته وتحديده بدقة، دون حاجة لرؤيته. والدليل أن الأشهر القمرية الإثناعشر بقيت تبدأ وتنتهي في وقتها دون أن يكون هناك أي خطأ. ولو كان الناس يحددون بدء الشهور برؤيتهم للهلال بالعين المجردة فلابد أن يحدث خطأ كما يحدث بيننا في هذا العصر، حيث صمنا في بعض السنوات يوماً أو يومين من شعبان، وصمنا في سنوات أخرى يوماً أو يومين من شوال. وكما رمضان تحدث أخطاء في تحديد بدء شهر ذو الحجة، لأننا اعتمدنا تحديد بدء الشهر برؤية الهلال وليس ببدء الشهر الفعلي.
ولو أن تحديد شهر رمضان يتم بالعين المجردة زمن رسول الله لورد ذلك في كتب التاريخ، ولحدثت بعض الأخطاء عند دخول الشهر وخروجه، وهذا لم يحدث زمن الرسول برغم أن فرض الصوم جاء في السنة الأولى للهجرة لأن البقرة نزلت بداية الهجرة وقبل معركة بدر بشهور. ويكون المسلمون قد صاموا عشر رمضانات زمن الرسول دون ان يذكر التاريخ أنهم أخطأوا في تحديد بدء الشهر وخروجه. برغم أن شهر رمضان - طوال عصر الرسول - كان يأتي في فصل الشتاء وبداية الربيع حيث يكون احتمال وجود غيوم في سماء المدينة وارد. ومع ذلك لا يذكر التاريخ أنهم كانوا يتراؤون الهلال لإثبات دخول رمضان، فيما عدا خبرين أو ثلاثة لا وزن لها. ولعل من أشهرها الخبر الذي ينسب للرسول قوله: "أحصوا هلال شعبان لرمضان" وخبر آخر منسوب لابن عمر أنه رأى الهلال وأخبر الرسول فأمر الناس بالصوم.
ولو كان الرسول قد أمر الناس بإحصاء هلال شعبان فلابد أن يأمرهم بإحصاء أهلة كل شهر من الأشهر الإثناعشر لئلا يحصل خطأ فيؤثر على بدء رمضان. ولم يثبت أبداً أن الصحابة كانوا يتراؤون رؤية كل شهر من الشهور القمرية، ومع ذلك كانت تمر الشهور دون أخطاء.
وهناك خبر منسوب لكريب يقول: أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية رضي الله عنه بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنتَ رأيتَهُ؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية رضي الله عنه. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين، أو نراه. فقلت: أوَلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله... . انتهى
وهذه القصة مختلقة لأن ابن عباس – الذي هو ابن أم الفضل بنت الحارث - كان في العراق ولما حدث بينه وبين علي ابن أبي طالب خلاف حول استيلاء ابن عباس على أموال بيت المال ترك ابن عباس العراق وذهب للطائف وبقي فيها حتى مات عام 68 للهجرة (كما تقول كتب التراث)، ولم يعش في المدينة زمن معاوية، بل ولا في أي زمن آخر.
ثم أن أم الفضل بنت الحارث واسمها لبابة – زوج العباس ووالدة ابن عباس – كانت قد توفيت قبل حكم معاوية، حيث توفيت في خلافة عثمان وقبل زوجها العباس الذي توفي في السنة 32 للهجرة، وهذا ما يؤكد اختلاق القصة السابقة.
ثم أنه حتى لو كان الناس في زمان ما اعتمدوا رؤية الهلال لإثبات دخول الشهر فهذا لا يعني أن الرؤية بالعين دليل شرعي على دخول الشهر ولا يعني عدم الأخذ بأساليب أكثر دقة عرفها الناس أو سيعرفونها في عصور لاحقة.
فالمهم هو دخول الشهر وليس رؤية هلاله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" .. " فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ".
وأي وسيلة تعين على تحديد دخول الشهر بدقة فهي المطلوبة..
وفي هذا العصر يمكن وبكل سهولة تحديد بدء الشهر القمري ولسنوات قادمة، ولا حاجة لمحاولة رؤيته بالعين المجردة على الإطلاق.

الامر تراثي لا أكثر.. ولكن السؤال هل من المفروض بأن نخالف هذا الأرث؟ اي بمعنى نصوم كما هو الشهر ولا نلتفت للبقية ومن ااممكن ان تصوم يوم لوحدك او تفطر !.....
ردحذف